بقلم أحمد علام
فى الطريق إلى كل ما هو مقصود، تتعثر عيناك فى الكثير من الناس على إختلاف ألوانهم، وأشكالهم، وأجناسهم، وملبسهم، وخطوات حركاتهم، وما تحملهم أعينهم من معانى، وإيحاءات فمنهم من يتجه يميناً أو يساراً، أو إلى الأمام، أو يقف فى مكانه، أو يتحرك فى مكانه، وتشرق الشمس عليهم جميعا، ويخبو الضوء عنهم فى نفس الوقت، ويتنفسون نفس الهواء، ويسيرون على نفس الأرض .
- توقفت عيناي علي أحدهم وجدته حزينا، وألتفت حوله كل سحب الضيق والكآبة، وكأنه يصارع أمواج من الألم، تأتيه من كل جانب، فلا هو قادر على مواجهتها، والخروج منها بأقل الخسائر، أو تقضى عليه فينتهى فى لحظتها، ولكنه يظل يعانى الصدمات الواحدة تلو الأخرى، ويتجرع آلام قلة الحيلة، ويقينه أنه لا ناقة له ولا جمل فى هذه الحياة البائسة، فهو لا يكاد يرى أى نور فى هذه الحياة الكئيبة من كل جوانبها، حتى أنتحر الأمل بين زوايا اليأس التى لا تشرق فيه شمس .
- قفزت عيناي إلى إمرأة تبكى بحرارة شديدة، وهى تقرأ رسالة من حبيبها ليترك لها آخر ما تبقى من الذكرى بينهم، ليسدل الستارعلى تلك المشاعر التى غردت حولها الطيور، وأنطلقت النسمات العطرة من كل جوانب الحياة، وأبتسم كل شىْ إبتهاجاً، وفرحاً باللحظة التى تمر، وهى ترفرف حول قلبها المشغوف بهذا الحب الوليد بين الثنايا، وفجأه تُصعق برسالة تبكى منها أمواجاً من الدموع، وضاع منها كل شىء بل الحياة كلها فانطفأت رغبتها فى التنفس، والحركة حتى ماتت الحياة داخلها، وأصبحت بلا مشاعر من أى نوع، ونامت عيناها.
- أنجذبت عيناي إلى شارد يتحرك فى كل الإتجاهات، وهنأت نفسى لعلى أجد فيه ضالتي التي أبحث عنها، فوجدته شعلة لا تكاد تشتعل حتى تنطفىء يتحمس لفكرة بشدة، ويتحرك نحوها ثم يتعثر، فيعود كما كان ثم تجذبه فكرة أخرى، ويخطط لها بسرعة، ويعدل عنها بنفس السرعة، وتتكرر مشاهد حياته كلها بذلك النمط، وهو يتحرك فى نفس مكانه، ولا يدرك أنه لا يتحرك أصلاً، بل هو لم يتخلى عن مكانه من عشرات السنين، معتقداً أنه يتقدم لأنه ببساطة لم يُكمل طريق واحد فتبعثرت طاقته فى كل جنبات الحياة حتى أصبح لاشىء يُذكر .
- هربت عيناي من رأسي، إلى من يحقق ما أحوم حوله فوجدته يتحرك، ويعلم إلى أين يتجه، ومن أين تُؤكل الكتف، حيث يلملم كل جراحه، ويقذف بها خلفه، ولكنه ترك أيضاً كل القيم والمبادىء، بل ويعرضها للبيع لمن يدفع أكثر، فالغاية عنده تبرر الوسيلة ولاحاجة له أن يحتفظ بأي مبدأ، ولكنه الغاية الكبرى هى تحقيق المكاسب المادية، وبالتالي يفطن دائماً إلى ما يترجم عمله إلى مال، مهما كانت التضحية فكل المشاعر عنده رمى بها فى سلة المهملات .
- أستراحت عيناي، إلى عابد لا يقضى وقت إلا وهو يقيم عبادة لله شعائرية تاركاً وراءه كل أمور الدنيا، ومتاهاتها والتحديات القابعة فى أول كل طريق لها، فهو لا يريد أن يفعل أي شىء بالدنيا التي يزهد فيها تماماً، سوى لقيمات تأتيه من هنا أو هناك يقمن به عوده، فيستمرء سؤال الناس بدلاً من العمل، معتقداً أن الدين يدعوه إلى الآخرة فقط، فيقف مكتوفي الأيدي مشلول الحركة تماماً، عن أى تقدم أو بالكاد أى عمل بالحياة فلا حاجه له بها، ولا حاجة للدنيا له، فهو لا يحيى إلا منتظراً لحظة الفراق، ليترك الدنيا لم يضف إليها شىء ولم تضيف هى له شيئاً .
- أغمضت عيناي، فهي لا تريد أن ترى شيئاً، ولكن هبت على قلبي علامة إستفهام كبيرة، لماذا تضيع الناس فى هذه الحياة الصعبة، لاشك أنه العقل الذى لا يعمل رغم وجوده، و لكنه يهمل من جانب صاحبه، حيث أنه فى أحسن الأحوال يقلد غيره فى كل شىء، رغم أن ورقة الأسئلة تختلف من إنسان لآخر، وبالتالى إستنساخ نفس الإجابات ستكون مدمرة، وغير مثمرة فى حقه، فلكل إنسان ظروفه وبيئته وثقافته التى لا تتكرر مع غيره إلا فى القليل .
- نامت عيناي، لترى نفسى التي لا يشبهها أحد فى الوجود بخصائص ذاتية غير متكررة، وبصمة خاصة لها فى كل شىء، وتصالحت معها وعاهدت نفسى أن ألا أرى أحداً بعد اليوم، ليكون نموذجاً لى بالحياة بل أعيش أيامى وأحداثي وظروفي، أنا بلا أى تأثير أو تأثر بحياة غيرى بتجاربه المختلفة، فالكل فى بوتقة واحدة، ولكن كل منا عالم وحده مترامي الأطراف، والعمر لا يتسع للتعرف على عالمك كله، و هو أنت فما بالك أن تدخل عوالم الأخرين بكل ما فيها من تعقيدات، وغموض حتى ينتهى وقتك المحدد، فلا أنت فهمت عالمك الخاص، ونصبت نفسك ملكاً لهذا العالم، ولا أنت سيطرت على عوالم الأخرين، أو حتى فهمتها في أحسن الأحوال .
- بكت عيناي، من السعادة الغامرة التى إنتشرت فى جنبات نفسي لدخولي عالمي الخاص، الذى أمتلكه وحدي ولا يشاركني فيه أحد، كي أقوم بتقسيمه وحدي وأزينه وحدي بما أريد، وأضع له الأساس الذى أستشعر الراحه فيه وحدي، فهو عالمي البكر البعيد عن كل العوالم الأخرى الضائعة، وبدأت تأسيسه بالإجابة بدقة ووضوح، عن عشرة أسئلة يكتمل بها عالمي الخاص، ويقوي بنيانه لأنقذه من متاهات الضائعين وأغمضت عيناى ولاعزاء للضائعين ولاعزاء للضائعين ....
Comments