bah لـن ينتهي عصـر الأمومـة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

لـن ينتهي عصـر الأمومـة

04/25/2025 - 16:36 PM

بيروت

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

هدف الأم في الحياة، أن تربي أولادها أحسن تربية... مضحِّية من عمرها، لترى وهج شعلة شخصيتهم، يزداد انبهاره يومًا إثر يوم، إلى أن يغدو نورًا إنسانيًّا يفيضُ حضورًا واحترامًا عليها وعلى الآخرين. تُعتَبَر الأمومة أسمى هدف شخصي تسعى لنيله المرأة منذ ازدهار أنوثتها إلى حين نُضوجها الكامل، تشعُر تلقائيًّا أن ظل الأمومة يرافقها دائمًا، يناديها لتُكَلِّل المرحلة الثّانية من مسيرتها نحو الأمومة بالزّواج، فتنال ترخيصًا عائليًّا لعلاقتها الجديدة مع شريكها، فيبدآن بالتخطيط لمشروع البنوَّة. هناك فئة شاذّة من النساء، يقمن بطعن أنفسهن بخنجر العناد، لا يرِدنَ الدخول في عصر الأمومة، "حفاظًا على رشاقتهنّ"، أو يُكرِّسن حياتهن لأنانيّة خصوصيّاتهنّ، ولا يسمحن لأحد "باقتحامها"!!

هناك زوجات قد يئسن من تكرار مراحل العلاجات المضنية، يتخلّين بسرعة عن استمرار نضالهنّ بتناول الأدوية، هذه المكابرة لا تجدي، بل مرفوضة، لابتعادهن الكلِّيّ عن أي منطق، إذ يدّعين أنّهن يُردن استراحة جسديّة من المحاولات الطبيّة الحديثة، لعلَّهنَّ يحسبن أن بطاقة الخصوبة سيبقى مفعولها ساريًا مدةً أطول؟!، رغم أنّهن يعلَمنَ جيِّدًا أن حَكَم الزّمن لن يُمدِّد صلاحيتها، بل سيسحبها منهن لا شعوريًّا، لذا من المهم جدًّا استغلال نِعمة الخصوبة قبل زوالها، لأنه بعد ذلك ستضطر بعض الزّوجَات للبحث عن بدائل أخرى حديثة، باتت منتشرة عالميًّا وإسرائيليًّا، مثل اللجوء لإجراء معاملة الأم البديلة، غير المحبَّذة لدى الكثيرات.

رد فعل بعض الزّوجات غير المتفاعل مع نبض الرغبة، يعني أنّهن عديمات الإحساس، لانعدام عنفوان العطاء في أحشائهن، لأنّ تَأمُّلهنَّ ببلورة مسار حياة، يتماشى مع حياتهن، قد غدا وهمًا، انصهر بنفسيتهن اليائسة. كل زوجة تنتظر رؤية ذرّيتها منذ لحظة الحمل، إلى حين خروج وليدها بفارغ الصّبر من رحمها، وطنه الأساسي، فيوضع على صدرها، وهي تسمعه يبكي لانفصاله عن حبل الأمان الدّاخلي.

هناك زوجات عاقرات لا ييأسنّ من مراحل العلاجات القاسية والطويلة، وهذا يدل على قدرة احتمالهن لها، لإيمانهن الشّديد بأن عصر الأمومة لن ينتهي، ولا بد أن يعاصرنه يومًا ما، فجَنين الطفولة ما زال يتحرّك في رحم أمومتهن، يشجّعهن دومًا على المساهمة في صناعة أهم وأعظم حدثٍ تاريخي عرفته البشريّة، وهو إنجاب المولود... حدث مؤثّر على الصّعيدًين الشّخصي والاجتماعي.

تشير الأبحاث إلى أن الطّفل الرّضيع يبدو لنا خائر القوى... لا يستطيع المشي، أو الكلام، وما شابه، إنّما لا أحد يستطيع أن ينافس قدرته على التواصل مع الآخرين، خاصّةً عند مناغاته، أو عندما تتمرّغ نغاشته أمام الذين حوله، لأنه يُدرِك كيفيَّة الاستحواذ على انتباههم الدّائم، من خلال ابتسامة من ثغره، وخصوصًا عندما يخترق صوته المميّز آذان الأهل، فيهرعون إليه مسرورين.

منع اليائسات من احتلال الطفولة لقلوبهن، يدل على عدم اهتمامهنَّ بالجانب الخفيّ من نضجهنَّ البيولوجيّ الذي هيَّأ أجسادهن لاستقبال حياة جديدة، قادرة على احتواء جنينٍ، ستحتضنه أيديهنَّ خلال بضعة أشهُر، وأُسمِّيها فترة اشتياق تصاعُديَّة، إلّا أن البائسات حوَّلن تفاؤلهنَّ إلى طوق من جحيمٍ لا ينطفئ، أحاط إرادتهنَّ بنيران النَّدم، كما أحْرقَ عِليَّة تعقّلهن، هكذا أضعنَ رزمة الأمومَة النَّفيسة والمتكاملة، التي كان سيقدِّمها هذا الكائن الحيّ لهنّ، الذي من المفترَض أن يُصبح من أولويّاتهن الأساسيَّة، فيتنازلن عن ملكيتهن لذاتهنّ.

تشير أيضًا الدّراسات، أنّ المرأة لا تقدر على رعاية طفلها الرضيع لوحدها، بل تستعين بمن يساعدها على رعايته، فالتي تدّعي أنّها لا تستطيع رعاية طفلها جيّدًا، تعلَم عِلم اليقين أنّ هناك طاقم نسائي متمرّس، دائم الجهوزيّة اليوميّة، لتقديم خدماته الإشرافيّة العائليّة على مولودها، مثل أمها، حماتها، أختها، أو قريبتها وما شابه. هذه التقاليد الاجتماعية، سائدة في غالبية مجتمعات العالم، وليس فقط في مجتمعنا، فأسلوب الاتكال، يجعل الأمهات الحديثات، عديمات الخبرة، يشعرن بالأمان والثّقة تجاه الأخريات، شاكرات رعايتهن الدّائمة.

أيتها الزّوجات اليائسات، لا تغلقن أبواب الإرادة أمام قدرة الله، بل اجلسن خاشعات على عتبة الرّجاء الرّحبة، ولا تحطّمن نوافذ الإيمان، لأنّه لا بُد أن يدخل منها شعاع الأمل... فإذا يئستن، سيبقى لقب "أم"، مجرّد صفَة فخرية فقط، لذلك يجب أن تتمسَّكنَ بهويَّة الأمومة، وعدم فقدانها، كي تُعزز انتماءكنَّ العاطفي لغريزة الإنجاب، حتّى تندمجن وأنتن مرتاحات الضمير، تحت سقف الأمومة سويّة مع سائر نساء العالم. بالله عليكن فإن الأمومة سر عجيب ومدهش، لا تتخلَّين عنه، فهو أعظم جائزة ربّانيّة منحكنّ إيّاها رحم الخليقة.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment