بيروت - الاعلامي جورج ديب
في العام 1985، حين كان العالم العربي يعيش مخاضات سياسية واجتماعية صاخبة، وحين كانت الجاليات اللبنانية والعربية في بلاد الاغتراب تبحث عن صوت يمثلها وهمزة وصل تحفظ انتماءها، أنشأت صحيفة بيروت تايمز، كفكرة شجاعة، ومبادرة إعلامية رائدة، جاءت لتسدّ فراغًا كبيرًا في مشهد الإعلام المهجري، وتقدم نموذجًا جديدًا للصحافة الحرة المسؤولة.
هي مناسبة استثنائية ومليئة بالمشاعر والذكريات، تحتفل أدارة صحيفة بيروت تايمز هذا العام بمرور أربعين عاماً على تأسيسها، أربعة عقود من العمل الصحافي الجاد، ومن الحضور المتألق في فضاء الإعلام اللبناني والعربي والدولي.
منذ انطلاقتها في عام 1985، شكلت بيروت تايمز منبراً للحرية، وصوتاً للجالية اللبنانية والعربية في المهجر، ونافذة تطل على قضايا الوطن والاغتراب، ملتزمةً بالمهنية، والموضوعية، والاستقلالية.
ولادة حلم
جاء تأسيس الصحيفة في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة، حين كانت الحاجة ماسة إلى إعلام حر وموثوق يظهر هموم الناس وتطلعاتهم، لا سيما في صفوف الجاليات المنتشرة حول العالم. ومنذ العدد الأول، حملت بيروت تايمز رسالة سامية: الدفاع عن القيم الإنسانية، ونقل الحقيقة، وتعزيز الحُوَار بين الثقافات.
واليوم، بعد أربعين عامًا من التأسيس، نحتفل بهذه المسيرة الطويلة، التي لم تكن مجرد تراكم للسنوات، بل كانت تاريخًا نابضًا، ومسيرة نضال، ورسالة مستمرة.
البدايات: الحلم الذي أصبح صوتاً
أسّس صحيفة بيروت تايمز مجموعة من الصحفيين والكتّاب اللبنانيين والعرب المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، مدفوعين بالإيمان العميق بدور الإعلام في بناء الجسور بين الوطن الأم والمهجر، وتعزيز الهُوِيَّة الثقافية واللغة، ونقل صوت الاغتراب العربي إلى العالم.
لم تكن الرحلة سهلة. فالبدايات كانت مليئة بالتحديات: قلة الموارد، صعوبة التوزيع، الحاجة إلى استقطاب جَمهور متنوع بين المهاجرين القدامى والجدد. لكن الشغف بالكلمة، والإيمان بالقضية، جعلا من بيروت تايمز شيئًا أكثر من مجرد صحيفة: جعلتها بيتًا للمغتربين، ومساحة حرة للتعبير، ومنبرًا لنقل الحقيقة.
محطات مشرقة في التاريخ
خلال العقود الأربعة الماضية، استطاعت بيروت تايمز أن تغطي محطات مفصلية في تاريخ لبنان والمنطقة العربية والعالم:
- واكبت نهاية الحرب اللبنانية وتوثيق مراحل الإعمار بعد الطائف.
- غطت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 2006، وانتفاضات فلسطين، والحروب على غزة.
- واكبت أحداث 11 أيلول 2001 وانعكاساتها على الجاليات العربية في أميركا.
- تابعت تطورات الربيع العربي، وتغيرات المشهد الإعلامي والسياسي.
- كانت حاضرة في تغطية الانتخابات اللبنانية، الأميركية، وساهمت في تسليط الضوء على دور المغتربين في الحياة العامة.
رسالة الصحيفة: بين الانتماء والاستقلالية
ميز بيروت تايمز طيلة هذه السنوات هو تمسكها بثلاث ثوابت:
- الهوية: الحفاظ على اللغة العربية، والثقافة اللبنانية والعربية، وتقديم مواد تحاكي الحس الجمعي للمغتربين.
- الاستقلالية: بقيت الصحيفة على مسافة واحدة من كل الأطراف، مقدمةً منصةً مفتوحة للرأي والرأي الآخر.
- الاحترافية: من خلال التزامها بأعلى معايير الصِّحافة، والتدقيق، والنقل الأمين للخبر.
وجوه صنعت المجد
لا يمكن الحديث عن بيروت تايمز دون التوقف عند أسماء بارزة ساهمت في صنع هويتها:
- مؤسسون غرسوا بَذْرَة الحلم، بعضهم رحل جسدًا وبقي أثراً.
- صحفيون ومراسلون جابوا العواصم من بيروت إلى واشنطن، حاملين همّ الخبر والحقيقة.
- كتّاب ومفكرون، كتبوا من القلب، وعن القلب، دفاعًا عن العدالة، وعن الوطن، وعن الإنسان.
ولعلّ أجمل ما في هذه المسيرة أن الصحيفة احتضنت أيضًا جيلًا جديدًا من الشباب العرب في المهجر، فكانت مدرسة إعلامية وثقافية في آن.
التحول الرقمي: من الورق إلى العالم الرقمي
لم تقف بيروت تايمز عند حدود النشر الورقي. فمنذ أوائل الألفية، بدأت خِطَّة للتحول الرقمي، فأنشأت موقعًا إلكترونيًا، وفعّلت حضورها على منصات التواصل الاجتماعي، لتواكب الجَمهور حيثما وُجد، وتحافظ على تواصلها مع الأجيال الجديدة، دون أن تتخلى عن طابعها العميق والرصين والقبم.
أصبحت الصحيفة اليوم أرشيفًا حيًا ومرجعًا موثوقًا، ومصدرًا معتمدًا للمعلومة والتحليل، ومكانًا تجد فيه صوتك، سواء كنت في بيروت أو لوس اتجلس أو نيويورك أو مونتريال أو دبي او الرياض او قطر.
الاحتفال بالأربعين: تكريم واستمرار
في الذكرى الأربعين، نحتفل، لا لننظر إلى الماضي فقط، بل لنتطلع إلى المستقبل. هذا الاحتفال هو:
- وفاء لكل من مرّ في هذه المسيرة وترك بصمة.
- تقدير للقراء والجالية اللبنانية والعربية الذين كانوا العمود الفقري للصحيفة.
- تجديد لعهد المسؤولية والالتزام تجاه قضايا أوطاننا وهموم مجتمعاتنا.
نحو المستقبل: رسالة لا تنتهي
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يواجه الإعلام تحديات مصيرية: الذكاء الاصطناعي، التضليل، فقدان الثقة... لكن بيروت تايمز، وهي تدخل عقدها الخامس، تؤكد التزامها بترسيخ الصِّحافة الجادة، وحمل مشعل الكلمة الحرة، وتقديم إعلام عربي في المهجر يليق بتاريخنا وهويتنا.
فالأربعون ليست نهاية، بل بداية متجددة، تحمل كل عناد الكلمة، وأمل الغد.
بيروت تايمز... أربعون سنة من الوفاء، والكلمة، والانتماء. وإلى سنواتٍ أخرى من العطاء.
Comments