لندن كتبت لوسي حبيب
أربعون عاماً مرّت على انطلاقة صحيفة "بيروت تايمز"، وكأنها لحظة في ذاكرة الإعلام العربي المغترب، لكنها في الحقيقة أربعة عقود من العمل الصحفي الملتزم، والمصداقية، والتفاني في إيصال الكلمة الحرة إلى كل قارئ يبحث عن الحقيقة، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية.
منذ انطلاقتها، لم تكن "بيروت تايمز" مجرّد صحيفة تصدر للمغتربين في الولايات المتحدة أو العالم العربي، بل كانت وما تزال منبراً ناطقاً باسم الثقافة والانتماء، وجسراً يربط بين الجاليات العربية وهموم أوطانها. لقد نجحت في أن تكون بيتاً لكل الكتّاب والمفكرين والإعلاميين الذين وجدوا فيها نافذتهم إلى العالم، وفي الوقت نفسه مصدراً موثوقاً للقارئ الذي يبحث عن العمق والمهنية في زمنٍ اختلطت فيه المعلومة بالرأي، والحقيقة بالضجيج.
ما ميّز "بيروت تايمز" طيلة هذه السنوات، ليس فقط أنها تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، بل قدرتها على مخاطبة جمهورين مختلفين بثقافتين مختلفتين، دون أن تفقد هويتها، أو تحيد عن رسالتها. اللغة هنا لم تكن حاجزاً، بل جسراً يصل بين القارئ العربي المغترب والمتحدث بالإنجليزية المهتم بشؤون منطقتنا، في صيغة إعلامية تليق بعراقة بيروت وتنوعها، وتواكب في الوقت نفسه نبض العالم.
ومع تطور وسائل الإعلام وتغير أدوات الصِّحافة، كان لا بد من الانتقال من الشكل الورقي إلى الفضاء الرقمي، وهو التحدي الذي واجه معظم الصحف التقليدية، وسقط كثير منها في الطريق. إلا أن "بيروت تايمز" أثبتت مرة جديدة أنها أكثر من مجرد صحيفة، بل هي مشروع ثقافي وإعلامي متكامل، يتكيّف مع التغيرات التقنية دون أن يتخلى عن مضمونه الأصيل. تحوّلت الصحيفة إلى منصة رقمية حديثة تواكب سرعة العصر وتعدد وسائطه، مع الحفاظ على نبرة المصداقية والرصانة التي عُرفت بها منذ يومها الأول.
ولا يمكن الحديث عن هذه المسيرة من دون ذكر أحد أعمدتها، بل ركيزتها الأساسية، الأستاذ ميشال عبسي، الذي وضع من قلبه وعقله وروحه ما جعل هذه الصحيفة تستمر في أصعب الظروف، وتنهض رغم التحولات الكبرى في صناعة الإعلام.
لم يبخل بجهد، ولا بوقت، ولا بتضحية، من أجل أن تبقى "بيروت تايمز" نبراسًا إعلاميًا يحتذى به. قيادته الحكيمة والرؤية الواضحة التي يتمتع بها، جعلا من الصحيفة مرآة تعكس نبض المجتمع العربي وتحوّلاته، وهموم المغتربين وآمالهم، ونافذة على العالم من منظور عربي أصيل.
إن مرور أربعين عامًا على تأسيس "بيروت تايمز" ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تتويج لمسيرة حافلة بالعمل الجاد، والمواقف النبيلة، والرسالة المهنية الرفيعة. وهو أيضًا محطة للتأمل في مستقبل الصِّحافة، والدور الذي ما تزال تلعبه المؤسسات الإعلامية الجادة في زمن أصبحت فيه المعلومة سلعة، والرأي صيحة عابرة.
من قلبي، لا يسعني في هذه الذكرى الغالية إلا أن أقول: كل التحية لإدارة التحرير في صحيفة "بيروت تايمز"، وكل التقدير لفريقها، وعلى رأسهم الأستاذ ميشال عبسي، على هذا الإنجاز المتواصل، وهذه الرسالة النبيلة.
دعائي أن تبقى "بيروت تايمز" منارة للكلمة الحرة، ومنصة للثقافة، وجسرًا بين الأوطان والقلوب، لسنوات وسنوات قادمة.
Comments