ابتسام يوسف الطاهر
كانت كلمة تتردد في اوساط المثقفين من ان الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق. لبنان كان البعض يسميها مطبعة الشرق. لماذا؟ لان الحرية الفكرية انطلقت من هناك. لان دور النشر كانت تحترم الكتاب ونوعية الفكر الذي خلف ذلك القلم. بل ان بعض الدور تبنت شعراء ومؤلفين لإيمانها بأهمية ما يكتبون. ربما لذلك اشتد العداء لذلك البلد الجميل الصغير بمساحته والكبير باهله وفنه ومفكريه. وتشابكت نصال الحقد مع نصال الغدر عليه.
ولكن بالرغم من ذلك وبالرغم من ان العراق لم يعد يقرأ فقط! بل انتشرت دور النشر فيه وكثر عدد الكتاب والمؤلفين الذين ينافسون حجم زملاءهم في مصر والوطن العربي كله. لكن لبنان يبقى المنبر الاقرب للمهتمين بالكتاب وبالكلمة الصادقة الحرة.
فالصحافة كانت تسمى السلطة الرابعة.. لكن للأسف اليوم لم تعد هناك سلطة لتلك السلطة، التي طالما هزت عروش وغيرت حكومات في الغرب خاصة. اليوم تسيطر قوى الرأسمالية الامريكية على كل مفاصل الحياة واهمها الاعلام والصحافة. فقد عرفوا تأثير الكلمة على الشعوب خاصة المتخلفة او التي تعاني الفقر والجهل. لهذا حرصوا على خلق حروب هنا وهناك لزيادة حجم الفقر والتجهيل، فازداد بين تلك الشعوب حتى بين اوساط مثقفيها حجم الانجراف وراء كل ما تبثه وسائل الاعلام من صحافة الى تلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. فاختلط الحابل بالنابل كما يقولون.
قد نجد بعض العزاء حين نعرف بأننا لسنا وحدنا ننجرف مع تيار الكلمات والخطب الحماسية الرنانة فيأخذنا هذا ويردنا ذاك، فهذا شأن كل (الرعاع) كما يسميهم البعض من ذوي (الشأن) في كل العالم، حيث لا قوة لهم ولا حيلة، ولا علم لهم بما يجري خلف كواليس مسرح الحياة.
لقد رسم شكسبير أجمل صورة لتلك الظاهرة في رائعته ( مأساة يوليوس قيصر)، حين يظهر بروتس اقرب أصدقاء يوليوس ليخطب بالناس ببلاغة عن سبب اغتيال قيصر، وحكى لهم عن حبه لقيصر ولكن حبه لروما وخوفه عليها وعلي أهلها حتم عليه أن يضحي بأعز ما لديه. فهتف له الكل منددين بقيصر، حتى كادوا ينقضون على جثته. وفي لحظتها ظهر ابن أخ قيصر القتيل، انطونيوس، الذي اشتهر ببلاغته وذرابة لسانه.. مبتدأَ الحديث بتأييده لما قاله بروتس ، ثم تحدث عما فعله قيصر لأجل روما وأهل روما، حتى يكون جزاءه الطعن بتلك الصورة، وهو يكشف عن الجسد المطعون، لينقلب الناس مباشرة ضد بروتس مطالبين برأس القتلة.
لهذا نتشبث باي بصيص يبث النور فنرى ولو جزء من الحقيقة، نتشبث بمن يدلنا على اوجاعنا ويشخصها من ثم يدلنا على الدواء، حتى لو كان الدواء بيد الاعداء، المهم ان نعرف كنه الدواء لعلنا نتمكن من صناعته بأنفسنا دون اللجوء للأعداء. وهنا تبرز اهمية ان يكون هناك منبرًا حرُا شجاعًا ليكون ملتقى للأفكار الحرة البناءة والشجاعة، ومنهم صحيفة بيروت تايمز.. بانتظار عودة بيروت مشرقة فيروزية صافية ملتقى للخير والسلام.
ولكي نحافظ على سلامة تفكيرنا واوطاننا لابد من الالتزام بالمبادئ والقيم الانسانية الراقية ونبعد كل ما يشوش تفكيرنا. فقد دعوت مرة في احدى المقالات الى مقاطعة البضائع الامريكية، ليس فقط المنتجات الغذائية او المواد الاستهلاكية، بل الاعلام الامريكي او المتامرك، مقاطعة كل الخطب والتحليلات السياسية التي تبث السموم وتقتل روح الوطنية وروح التضامن الانساني وتسخر من كل القيم والمبادئ السامية. فالسياسة الامريكية – الاسرائيلية تعتمد ومنذ القدم على التفرقة العنصرية والطائفية لكي تتمكن في جعل القيادات مجرد دمى تحركهم وفق مشيئتها، لتسيطر على بلداننا المغلوب على امرها.
فالكلمة سلاح ذو حدين كما يقال، يستخدمها البعض للتعبير عما يمور في دواخلهم وليس لهم سلاح غير ذلك يحاولون جاهدين لزرع الطيب والمحبة، لمواجهة القوى المستنفعة من زرع الفتن والاضطرابات، وما أكثرهم اليوم، خاصة بعد ازدهار وسائل الاعلام المرئية والمقروءة. وآخرين يستخدموها مقنّعين بشعارات القومية أو الحزبية أو الدينية ليمرروا خططهم للاستيلاء علي مصائر واقتصاد الشعوب.
Comments