bah هل نجح الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارته إلى فرنسا؟ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

هل نجح الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارته إلى فرنسا؟

05/08/2025 - 00:42 AM

Bt adv

 

رامز الحمصي *

 

الزيارة تحمل دلالات عميقة في إطار مرحلة انتقالية حساسة تمر بها سوريا منذ سقوط نظام الأسد. من منظور المدرسة الواقعية، تُعنى هذه الزيارة بتحليل المصالح الوطنية للرئيس الشرع وفرنسا. وبالاستعانة بالمنهج القياسي، نفترض أن الدول تعزز مصالحها بنهج تعاون أو مواجهة، بينما يوفر المنهج الاستقرائي ملاحظات على العامل التاريخي، والمنهج الاختباري يتيح قياس تأثير الظروف المادية الميدانية. يهدف هذا المنظور إلى فهم أبعاد الزيارة عبر معايير واقعية بعيدًا عن المزايدات العاطفية.

قدّمت فرنسا نفسها دومًا لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، خاصة بعد الفترة الاستعمارية (1920-1946) التي تركت أثرًا ثقافيًا وسياسيًا في العلاقات الثنائية. تستند باريس إلى إرث الانتداب كمنطلق لإعادة الاهتمام بدورها الإقليمي، في ظل قيادة الرئيس إيمانويل ماكرون. يرى صانعو القرار الفرنسيون في استضافة الرئيس الشرع فرصة لتعزيز النفوذ الأوروبي والتفاوض حول قضايا مثل الأمن والهجرة وإعادة الإعمار.

في المقابل، يواجه الرئيس الشرع تحديات داخلية ضخمة، على رأسها إعادة بناء البنية التحتية المتضررة من الحرب الأهلية، وتوازن القوى بين الفصائل المسلحة، وضمان حقوق الأقليات. هنا تقيس دمشق واقعها المادي – الممتد من أزمات اقتصادية حادة وتشرذم اجتماعي – كعامل رئيس يدفعه للبحث عن شركاء أوروبيين يوفرون دعمًا ماليًا وسياسيًا. يعكس هذا التوجه السعي لكسر العزلة الدولية وإعادة الاعتراف بدوره في المنظومة الدولية.

يلعب الإطار التاريخي دورًا كبيرا في تفسير العلاقات السورية-الفرنسية؛ إذ الذاكرة الجماعية للشعب السوري عن الانتداب تشكل خلفية تُؤثر في استقبال الشرع في باريس. لذا نستنتج أن الوعي التاريخي لا يقتصر على بُعد استعمار بل يمتد إلى اعتبار السيادة والكرامة الوطنية محاور أساسية في الخطاب الرسمي. يسهم هذا التنوع المنهجي في استحصاء قراءة أكثر اتزانًا للزيارة بعيدًا عن الطائفية والمواقف المسبقة.

الدوافع الواقعية للزيارة ومحدداتها

أولت دمشق أولوية قصوى لكسر عزلتها الدولية التي استمرت لعقود تحت وطأة العقوبات وغموض الأطر السياسية. يستند هذا المطلب إلى المنهج القياسي في الواقعية، حيث تعتبر إعادة الاندماج في النظام الدولي شرطًا أساسيًا لتأمين الدعم اللازم. تعكس زيارة الشرع إلى فرنسا اختراقًا دبلوماسيًا غربياً، يسعى إلى فتح قنوات رسمية مع الاتحاد الأوروبي. ووفق مراقبين، فإن أهداف دمشق تشمل ضمان وصول المساعدات الإنسانية وتمهيد الطريق أمام استثمارات في قطاع الإعمار.

تدفع فرنسا مصالحها الإقليمية باتجاه تعزيز التعاون مع سوريا بوصفها "بوابة" استراتيجية للشرق الأوسط. يرى القادة الفرنسيون في هذه الخطوة فرصة لإعادة بناء النفوذ المتراجع بعد صدمة الأزمات في لبنان وليبيا. وعليه يمكن ملاحظة رغبتهم في معالجة قضايا اللاجئين والتنسيق الأمني التابع لموضوع الملف الكردي. وتؤكد تصريحات ماكرون على رغبة باريس في تركيز الجهود على الاستقرار وإعادة إعمار البنى التحتية.

Article content

الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي في العاصمة باريس

لا ننسى أن الموروثات التاريخية وشعور الكرامة الوطنية تلعب دورًا محوريًا في خيارات الشرع السياسي. فعلى الرغم من الجراح العميقة بين الجانبين، يكشف المنهج الاختباري أن خطاب الشرع تمحور حول استعادة السيادة دون القبول بشروط التطبيع الجزئي. وقد ركز في كلمته على عدم تقديم تنازلات حتى حول الأراضي المحتلة. ويعكس ذلك المزاج السياسي السوري الذي يرفض التطبيع قبل الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية، كشرط أساسي للتعاون.

يواجه الشرع ضغوطًا داخلية تتمثل في اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان من قبل فصائل مقربة منه على الساحل السوري، حيث نقلت التقارير وجود شبهات بتورطهم في تجاوزات. وتستند باريس في مباحثاتها إلى هذه التقارير للدفع بإصلاحات سياسية ملموسة. ويشكل هذا الواقع اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام السلطة الانتقالية بالقيم الديمقراطية. ويضع هذا الأمر الزيارة في سياق حساس، يتطلب موازنة دقيقة بين الضغط الخارجي والتوازن الداخلي.

قراءة في مخرجات الزيارة وتوقعاتها المستقبلية

شكل المؤتمر الصحفي محورًا رئيسيًا لاستكشاف الأهداف الحقيقية للزيارة. إذ ركز الشرع في كلمته على القضايا الوطنية، من إعادة الإعمار إلى حقوق اللاجئين، مؤكدًا أن التعاون مع فرنسا لن يتجاوز سقف سيادة سوريا. وبتحليل تصريحات الشرع المباشرة حول العديد من القضايا (المحاسبة - المقاتلون الأجانب - العقوبات) أظهرت لغة الخطاب حرصه على كسب تأييد الشارع السوري محافظًا على التوازن بين منطق الدولة وتوقعات المجتمع المدني، بل والإعلان ضمنيًا عن أن المرأة السورية ستقدم الجنسية لزوجها وأطفالها وهي سابقة تاريخية لم تحصل.

بدوره، شدد الرئيس إيمانويل ماكرون على أهمية التعاون في قضايا اللاجئين والاستقرار الإقليمي، موضحًا أن باريس تتوقع من دمشق خطوات ملموسة في مجال الإصلاح السياسي. وعليه يرى الجانب الفرنسي التعاون الشرعي شرطًا أساسيًا لتخفيف العقوبات الاقتصادية. وألمح ماكرون إلى إمكانية تقديم حوافز للاستثمار مقابل التزام سوريا بمعايير حقوق الإنسان. ويعكس هذا الموقف نهجًا مشروطًا يوازن بين المصالح الاقتصادية والضغوط السياسية.

طرحت وسائل الإعلام أسئلة حول الانتهاكات بحق الأقليات وحرية التعبير، فكان رد الشرع دبلوماسيًا، إذ أكد فتح تحقيق في أي تجاوزات، لكنه تجنب توجيه اتهامات مباشرة. ويظهر هذا التوازن بين الالتزام بمبدأ الرد على الانتقادات والحفاظ على وحدة الصف الوطني. ويمكن ملاحظة أن هذا الأسلوب يهدف لحماية الشرع من الانقسام الداخلي بينما يلقي الكرة في ملعب الجهات القضائية.

من المتوقع أن تعقب الزيارة خطوات لتعزيز التعاون الاقتصادي، قد تتضمن تخفيف بعض العقوبات الأوروبية أو إطلاق مشاريع مشتركة في إعادة بناء البنية التحتية. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الضغوط الفرنسية لإصلاحات سياسية إلى توترات مع الفصائل المقربة من السلطة. كما يمكن لنجاح الزيارة تشجيع دولًا أخرى، مثل ألمانيا أو إيطاليا، وبريطانيا على فتح ما يسمى "الفتح الدبلوماسي" بزيارة أخرى، مما يعزز موقع سوريا إقليميًا. وتجدر الإشارة إلى أن إدارة هذه التوازنات بنجاعة تحدد مصير هذه الديناميكية.

 

* رامز الحمصي، صحفي استقصائي ومحلل سياسات وباحث في مجال حقوق الإنسان. يكتب التقارير والموجزات التحليلية والتحقيقات في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الشّأن السّوري وسياسات الشّرق الأوسط، مع أكثر من عقد من الخبرة المهنية في المنطقة، يصب تركيزه على تنمية المجتمع المدني في المناطق المتضررة من النزاع عبر فهم سياسات المنطقة واستشراف المستقبل الأفضل لها.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment