الاب الدكتور نبيل مونس *
في كل مرة يرتفع فيها الدُّخَان الأبيض من قلب الفاتيكان، يترقّب المؤمنون بعيون الإيمان إعلان انتخاب بابا جديد، رأس الكنيسة الكاثوليكية الجامعة الرسولية. إنها لحظة روحية بامتياز، تظهر المشيئة الإلهية التي عبّر عنها يسوع المسيح بقوله: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر."
لم تكن هذه الكلمات مجرد رجاء، بل وعدٌ تحقق مرارًا وتكرارًا في تاريخ الكنيسة، إذ لم يتركنا المسيح يتامى. لقد سلّم رسالته إلى بطرس، ومن بعده إلى خلفائه، ليكونوا خدامًا للمحبة الإلهية، وقادة بروح التواضع والتفاني.
ورغم قدسية كرسي بطرس، لم يسلم من الاضطهاد، بل إن التاريخ حافل بمحاولات النيل من السلسلة الرسولية التي وضعها المسيح أساسًا لكنيسته. غير أن المحبة، كما قال مار بولس: "المحبّة لا تسقط أبدًا"، ظلت ثابتة، لأن مصدرها ليس من هذا العالم، بل من الروح القدس الذي يغني القلوب ويقود الاختيار والدعوة.
إن المحبة التي يقدمها الإنجيل ليست مجرد شعار عاطفي، بل قوة قادرة على تغيير العالم، تحرير الإنسان، وقيادته نحو الحياة الأبدية. فكرسي بطرس ليس موقعًا سلطويًا، بل مسؤولية رعوية تُجسّد "حضارة الحب" التي دعا إليها المسيح، وسلّمها بطرس وخلفاؤه للأمم كافة.
في زمن كثرت فيه الانقسامات وتعثّرت فيه القيم، تجد البشرية نفسها على حافة هاوية الجحيم إن سقط فيها نظام الحب الإلهي. والسؤال المصيري الذي يفرض نفسه: من يخلّص العالم من نار النووي والجحيم الأخلاقي؟
الجواب واضح منذ البداية: المسيح هو المخلّص، وإله الحب والخلاص.
لكن العالم لا يزال في مخاض مستمر، فهناك من يتمرّد على رسالة الحب، على دعوة السلام، وعلى فداء المصلوب. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، الكنيسة مدعوّة لأن تكون صوت هذا الحب الإلهي، من خلال انتخاب بابا يحمل روح الراعي الصالح ويقود القطيع بمحبة المسيح.
أيها الإخوة، فلنجدد إيماننا: إن الله محبة، ورحمته أبدية.
فلنصلِّ، كلٌّ حَسَبَ تقواه، لكي يكون الروح القدس هو المرشد للكرادلة في اختيار من يجسّد هذه الرسالة السامية.
نعم، إنني أثق، لأن "الروح يهبّ حيث يشاء"....
ولأن الكنيسة لا تزال تنبض بكلمة الحب الإلهي، من فم بطرس الجديد، إلى أقاصي الأرض.
* مؤسس اللجنة اللاهوتية للسلام في لبنان وراعي كنيسة سيدة لبنان المارونية في ولاية اوكلاهوما الأميركية
Comments