bah مارك كارني… زعيم من طراز مختلف في اختبار البيت الأبيض - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مارك كارني… زعيم من طراز مختلف في اختبار البيت الأبيض

05/09/2025 - 22:29 PM

Atlas New


الاعلامي كريم حداد 

 

لم تكن زيارة رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إلى البيت الأبيض حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، بل لحظة سياسية فاصلة في العلاقة المعقدة بين أوتاوا وواشنطن. فبين رئيس وزراء صاعد بثقة بعد انتصار انتخابي تاريخي، ورئيس أميركي مثير للجدل يتقن اللعب على حافة الاستفزاز، كنا أمام اختبار لم يكن فقط حول الملفات الكبرى، بل حول الشخصية والهيبة والرسائل غير المعلنة.

أجواء ودّية تخفي صراعًا هادئًا

استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الكندي بابتسامات عريضة ومصافحات ودّية، في مشهد بعيد كل البعد عن الفتور الذي طبع لقاءاته مع رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو. لكن خلف المجاملات العلنية والعبارات المنمقة، كان هناك ما هو أعمق: لعبة توازن دقيقة بين احترام البروتوكول وفرض السيادة.

مارك كارني، القادم من عالم المال والاقتصاد، لم يُظهر فقط هدوءًا لافتًا، بل قدّم درسًا متقنًا في كيفية مواجهة خطاب سلطوي دون الدخول في صدام مباشر.

ففي لحظة محسوبة، وأمام محاولة ترامب التلميح بإمكانية استلحاق كندا سياسيًا أو اقتصاديًا، رد كارني بلغة الرئيس نفسه – لغة العقارات – قائلًا: “كما تعلم، هناك أماكن لا تُعرض للبيع. كندا ليست للبيع، ولن تكون كذلك أبدًا. لكن هناك دائمًا فرصة لبناء شراكة منتجة بين جارين”.

بهذا التصريح، رسم كارني خطًا أحمر واضحًا، وذكّر الحليف الأميركي أن الصداقة لا تعني التبعية، ولا الشراكة تعني الهيمنة.

من وعود الحملة إلى اختبار الواقع

حملة كارني الانتخابية لم تكن مجرد شعارات منمّقة. بل جاءت محمّلة برسائل سيادية واضحة: الدفاع عن استقلال كندا، استعادة المبادرة السياسية، ورفض الانصياع لضغوط الخارج، أكانت اقتصادية أو جيوسياسية. وفي واشنطن، جسّد هذه العقيدة عمليًا، عبر موقف صلب لا يخلو من الدهاء.

فهو لم يدخل في مواجهة صاخبة، لكنه لم يسمح بانزلاق رمزي يُفهم منه أي ضعف أو تراخٍ. لقد أدرك أن المعركة ليست مع ترامب وحده، بل مع الصورة التي يريد البعض رسمها لكندا: دولة لطيفة على حدود إمبراطورية صاخبة.

تحديات كبرى على الطاولة

اللقاء، وإن مرّ بسلام ظاهري، لم يكن خاليًا من الملفات الثقيلة: الحرب التجارية المستمرة، الرسوم الجمركية المُرهِقة، ملف الطاقة، الأمن السيبراني، وتحديات الهجرة. كلها مواضيع حسّاسة تتطلب حنكة سياسية من طراز خاص، وهو ما أظهره كارني بتمسكه بالثوابت، دون أن يغلق باب الحوار.

لكن ما طبع هذا اللقاء أكثر من أي ملف، كان الصراع الرمزي على من يملك ناصية المبادرة، ومن يقود المشهد السياسي في لحظة مضطربة عالميًا.

هل خُدع الناخبون؟

لم تَخْلُ خطوة كارني بلقاء ترامب بهذه السرعة بعد فوزه من التساؤلات. البعض في الداخل الكندي خشي أن يكون الرجل قد تخلّى سريعًا عن خطابه السيادي. وآخرون تساءلوا إن كان المصرفي السابق سيسقط في فخ الصفقات السريعة.

لكن الإجابة كانت جلية: كارني لم يأتِ ليبيع موقفًا، بل ليؤكد أن كندا دخلت عهدًا جديدًا من التوازن في علاقتها مع الولايات المتحدة. صحيح أنه لم يوقف الحرب التجارية، لكنه استطاع أن يضع حدودًا ناعمة بين الاحترام والمجابهة، بين التعاون والاستقلال.

في الخلاصة: كندا الجديدة

في يوم اللقاء، لم تتغير السياسات، لكن تغيرت المعادلة النفسية. لم تعد كندا الطرف الصامت أو المتردد في العلاقة مع واشنطن، بل طرف يعرف جيدًا ماذا يريد، وأين يضع قدميه.

لقد خرج كارني من امتحان البيت الأبيض بشهادة سياسية غير معلنة: هو ليس مجرد رئيس وزراء جديد، بل قائد يعرف أن الرمزية أحيانًا أقوى من النتائج الفورية. وفي وجه رجلٍ يسعى للهيمنة، وقف كارني ثابتًا، ببرود الأعصاب لا برفع الصوت.

وفي السياسة، هذه في حدّ ذاتها… مهارة نادرة.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment