bah أزمة السيولة في سوريا: صمت الخبراء وتحديات النظام المصرفي - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أزمة السيولة في سوريا: صمت الخبراء وتحديات النظام المصرفي

05/11/2025 - 01:01 AM

Bt adv

 

 

رامز الحمصي

 

أزمة السيولة النقدية تطل برأسها كتحدٍ اقتصادي خطير يهدد استقرار سوريا. لكن، بشكل مفاجئ، وبحسب الخبير الاقتصادي، سامر كنتاكجي، خفتت الأصوات التي كانت تتحدث عن هذه الأزمة، فأين الخبراء الاقتصاديون الذين أثاروا هذه القضية بضجيج في السابق؟ بعضهم أصبح مستشاراً في الحكومة الجديدة، فتلاشت تحليلاته المستفزة، مما يثير سؤالاً: هل من يجلس في القمة يرى أفضل؟ وأين أولئك الذين رفعوا شارة الخطر؟ هذا الصمت، في ظل استمرار الأزمة، يدفعنا إلى التساؤل عن أسبابها وتداعياتها، وما إذا كان النظام المصرفي السوري قادرًا على استعادة ثقة الشعب.

الأسواق السورية، على تنوعها، تبدو نشطة بشكل مدهش. عمليات البيع والشراء في رواج، سواء في مناسبات الأعياد أو خارجها، وسوق السيارات الفاخرة يشهد ازدهارًا غير مسبوق، حيث تُباع المركبات الحديثة بسهولة كما لو كانت سلعًا عادية، بقيمة تقدر بخمسة مليارات دولار وفق تقديرات غير رسمية. هذا النشاط يتناقض مع أزمة السيولة المفترضة، مما يكشف حقيقة أن أموال السوريين لا تتدفق ضمن الاقتصاد الرسمي، بل تقبع خارج الدورة النقدية في المصارف. النظام البائد، بحجز الأرصدة المصرفية مرات عديدة، وتجربة المصارف اللبنانية التي احتجزت ودائع السوريين، علّما الناس درسًا قاسيًا: عدم وضع كل البيض في سلة واحدة. أصبح السوريون يتجنبون إيداع أموالهم في المصارف إلا للضرورة، ويسارعون بسحبها نقدًا خوفًا من تكرار الماضي.

هذه الأزمة، التي طال أمدها دون توضيح رسمي حتى في ظل الحكومة الجديدة، أدت إلى ظواهر اقتصادية غير صحية. نشأت أسواق ظل تعتمد على تقليب الأرصدة المصرفية، وتشكلت طوابير طويلة أمام الصرافات والمصارف من مواطنين يحاولون سحب مبالغ محدودة يوميًا. كما ظهرت علاقات شبه قانونية بين موظفي المصارف وأصحاب الأرصدة لتحريك الأموال عبر ثغرات قانونية، مما يعكس تأقلم السوق المحلية مع الأزمة بطريقة غير مستدامة. هذه العلاقات، رغم فعاليتها المؤقتة، لا تعالج الجذور العميقة للمشكلة، بل تعزز من عدم الثقة في النظام المصرفي.

صمت الخبراء الاقتصاديين، خاصة أولئك الذين أصبحوا جزءًا من الحكومة، قد يكون انعكاسًا لضغوط سياسية أو افتقار إلى حلول عملية. في السابق، كانت تحليلاتهم تسلط الضوء على خطورة نقص السيولة، محذرة من انهيار الثقة في الليرة السورية وتعطيل النشاط الاقتصادي. لكن الآن، مع تولي البعض مناصب رسمية، يبدو أن الأولويات تغيرت، أو أن التحديات أكبر مما توقعوا. هذا الصمت لا يخدم الشعب السوري، الذي يعاني من شح النقد في المعاملات اليومية بينما الأموال الكبيرة تتحرك في أسواق موازية.

استعادة الثقة في النظام المصرفي ليست مهمة سهلة. تاريخ المصارف السورية، الملطخ بحجز الأرصدة ومصادرة الودائع، يشكل لعنة تلاحقها. الناس لم ينسوا كيف أكل النظام البائد أموالهم "بالباطل"، وكيف تسببت الأزمة اللبنانية بخسائر فادحة. الشركات والمؤسسات، التي لا تستطيع التهرب من النظام المصرفي بسبب طبيعة أعمالها، هي الوحيدة التي لا تزال مضطرة للتعامل مع المصارف، بينما يفضل الأفراد الاحتفاظ بالنقد أو تحويله إلى عملات أجنبية. هذا السلوك يفاقم أزمة السيولة ويعيق عودة الاقتصاد إلى مساره الرسمي.

لحل هذه الأزمة، يجب على الحكومة الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، اتخاذ خطوات جريئة. أولاً، إصدار بيانات شفافة توضح أسباب نقص السيولة وخطة زمنية لمعالجته، مع ضمانات قانونية تحمي الودائع من أي مصادرة مستقبلية. ثانياً، إصلاح النظام المصرفي من خلال تعيين كفاءات مستقلة بعيدة عن المحسوبية، وإنشاء هيئة رقابية تضمن الشفافية. ثالثاً، تقديم حوافز لتشجيع إعادة الأموال إلى المصارف، مثل فوائد تنافسية أو برامج استثمارية مضمونة. رابعاً، مكافحة أسواق الظل من خلال تشريعات صارمة تستهدف التحويلات غير القانونية، مع تسهيل الوصول إلى النقد للأفراد.

هل يمكن للنظام المصرفي السوري استعادة سمعته الحسنة؟ الإجابة تعتمد على قدرة الحكومة على كسر إرث الماضي وبناء ثقة جديدة. أزمة السيولة ليست مجرد مشكلة تقنية، بل اختبار لمصداقية العهد الجديد. صمت الخبراء لا يعني زوال الأزمة، بل يزيد من الحاجة إلى تحرك عاجل. السوريون، الذين تحملوا سنوات من المعاناة، يستحقون اقتصاداً يعكس طموحاتهم، لا نظاماً مصرفياً يعيش على أطلال الثقة المفقودة.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment