الاعلامي كريم حداد
في ظلّ احتدام الخطاب السياسي وتحوّله إلى معارك تشويه لا توفر شخصًا ولا حزبًا، يتعرض حزب الكتائب اللبنانية ورئيسه النائب سامي الجميّل منذ أسابيع لحملة منظمة من الاستهداف الإعلامي والتشهير، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية، في ما يبدو أنه ردّ على مواقف واضحة اتخذها الحزب مؤخراً في مجلس النواب، وفي أكثر من مناسبة سياسية.
الحملة، التي وصفتها أوساط مراقبة بـ ”العبثية والمنحطة”، تنمّ عن حالة ارتباك سياسية في مواجهة مشروع سياسي بات يؤرق قوى المنظومة، ويهدد توازناتها الطائفية والمصلحية.
تحليل: الأسباب العميقة للحملة
لا يمكن فصل هذه الهجمة الإعلامية عن جملة من العوامل السياسية والميدانية المتداخلة، أبرزها:
1. توسّع شعبية حزب الكتائب بين فئة الشباب المستقل، ولا سيما في المناطق التي تبحث عن بديل وطني عابر للطوائف بعد عقود من الاصطفافات التقليدية العقيمة.
2. نجاح خطاب سامي الجميّل الأخير في البرلمان (25 شباط 2025) في كسر الحواجز الطائفية وتقديم خطاب جامع يدعو إلى المصارحة التاريخية والحياد، ما أقلق قوى تستمدّ شرعيتها من بقاء الانقسام والتخويف.
3. التحضير للانتخابات البلدية والنيابية، والتي تُظهر فيها الكتائب دينامية حزبية وتنظيمية واضحة، دفعت خصومها إلى اعتماد أسلوب التشويه كأداة تعويضية عن التراجع الميداني.
4. الإصرار على خطاب سيادي متماسك يرفض سلاح “حزب الله” ويدعو إلى حياد لبنان، ما يضع الحزب حكماً في مرمى كل الجهات الرافضة لأي مسّ بالمعادلات القائمة.
منصات الشتائم: عندما يُغيب النقاش
المفارقة أن الحملة ركّزت على شخص رئيس الحزب، متجاهلة تماماً مضمون خطابه، من دون تقديم أي تفنيد موضوعي أو رد فكري على ما طُرح من أفكار حول المصالحة الوطنية، أزمة الهوية، أو التمسك بالحياد والسيادة.
في مقال نُشر على الموقع الرسمي لحزب الكتائب، جرى تفكيك أبعاد هذه الهجمة، حيث أشار ناشر المقال إلى أن ما يجري هو “حملة افتراء ممنهجة”، تقف وراءها جهات تخشى من سقوط المشروع الفيدرالي الطائفي لصالح مشروع وطني سيادي جامع.
وأكد المقال أن هذه الحملة تموّلها مجموعات مرتبطة بمحاور داخلية وخارجية، تتضرر من خطاب يعيد الاعتبار لفكرة الدولة القوية، ويُقلق قوى الهيمنة الإقليمية في لبنان.
ردّ إبراهيم مرجي: موقف لا مساومة عليه
الرد الأكثر وضوحًا جاء من عضو المكتب السياسي الكتائبي إبراهيم مرجي، الذي كتب على صفحته الرسمية مقالًا بعنوان: “سامي الجميّل بين نداء المصارحة وحملات الافتراء: عندما يُستهدف الموقف”، شدد فيه على أن الحملة لا تستهدف شخص الجميّل بل “جوهر الخطاب”.
وقال مرجي: “من يُطالب بالمصارحة الوطنية يُهدّد النظام الطائفي القائم، لذلك يُستهدف”، معتبرًا أن الكتائب “تدفع ثمن رفضها المساومة على السيادة”، تمامًا كما دفعت سابقًا ثمن مواجهتها للاحتلالات والوصايات.
مقال أحمد عز في “اللواء”: وعيٌ لمخاطر الاستقطاب
وفي جريدة “اللواء”، كتب الصحافي أحمد عز مقالًا تحليليًا لافتًا اعتبر فيه أن خطاب سامي الجميّل الأخير شكّل نقطة تحوّل في الخطاب السياسي اللبناني، لما انطوى عليه من جرأة في كسر المحرّمات، ودعوة إلى تجاوز الاصطفاف الطائفي.
عز رأى أن الحملة على الكتائب تعكس انزعاج قوى الأمر الواقع من خطاب يوقظ الوعي العام ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم تجاه المستقبل الوطني، متسائلًا: “هل المطلوب أن يبقى السياسي أسير صمتٍ مريب حتى لا يُستهدف؟”
حملة لا تهزّ الثوابت
رغم الضجيج، لا يبدو أن الكتائب بصدد التراجع. بل العكس، فالحزب يُدرك أن الهجوم عليه هو محاولة لإسكات صوتٍ بات أكثر تأثيرًا في الرأي العام، وأكثر إقناعًا لجيلٍ سئم المحاصصات والمزايدات.
في وقت تزداد فيه الحاجة إلى خطاب عقلاني، سيادي، جامع، يُخشى أن تتحول حملات التجريح والافتراء إلى أداة قمع فكري وسياسي. لكن المؤكد أن الحزب، بتاريخه ومشروعه، وبقيادته الشابة، يمتلك مناعة أخلاقية وسياسية كافية لتجاوز عواصف التشويه.
ويبقى الحكم في النهاية لصوت الناس… في صناديق الاقتراع، وفي مساحات الوعي العام.
Comments