bah الاستدارة نحو الداخل أصبحت ضرورة… فالخطأ لا يُمْحَى بالإنكار - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الاستدارة نحو الداخل أصبحت ضرورة… فالخطأ لا يُمْحَى بالإنكار

05/15/2025 - 20:14 PM

Atlas New

 



 

 

 

 

 

المهندس مدحت الخطيب *

 

منذ السابع من أكتوبر، شهد الشرق الأوسط تغيرات سياسية وعسكرية متسارعة، فرضت على المملكة الأردنية تحديات جديدة تتطلب من صناع القرار قراءة دقيقة للمشهد الإقليمي واستجابة متزنة تحافظ على أمن البلاد واستقرارها.

يوماً بعد يوم، تتفاقم التوترات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث بات القتل والتهجير والاستيطان واقعاً يومياً. في غزة والضفة الغربية، تتلاحق التطورات الميدانية، مما يضع الأردن في موقف حساس نظراً لعلاقاته التاريخية والقومية بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن ارتباطه المباشر بملفات اللاجئين والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس.

أما في الشمال، فلا تزال الأوضاع في سوريا تشهد تقلبات أمنية مستمرة، سواء من خلال الصراعات المسلحة أو التدخلات الدولية، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على الأردن، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود وتدفق اللاجئين، إلى جانب ملف تهريب السلاح والمخدرات الذي يمثل تهديداً مستمراً للأمن الوطني.

إقليمياً، تراقب القيادة الأردنية عن كثب التحولات الجيوسياسية بين القوى الكبرى والدول الإقليمية، إذ أن أي اختلال في ميزان القِوَى قد يعيد رسم الخارطة السياسية والأمنية للمنطقة، وهو ما يتطلب الحفاظ على استقلالية القرار الوطني والدفاع عن مصالح الأردن الاستراتيجية.

ورغم هذه التحديات، يواصل الأردن اتباع سياسة متوازنة قائمة على الحكمة والدبلوماسية، وذلك من خلال التواصل المستمر مع الأطراف الإقليمية والدولية، وسعيه الحثيث لتقريب وجهات النظر وتعزيز الاستقرار.

التركيز على الداخل… أولوية وطنية

في ظل هذه الظروف، أصبح من الضروري إعادة توجيه الطاقات والإمكانات نحو الداخل، لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر. المساعدات الدولية والعربية للأردن تقلصت بشكل ملحوظ، ما ترك البلاد وحيدة في مواجهة أعباء عديدة. لذا، فإن المرحلة القادمة تتطلب العمل على تعزيز الاستقرار، وتحقيق التنمية الشاملة، وبناء مؤسسات وطنية قوية تُعبّر عن إرادة الشعب وتخدم تطلعاته، فالوطن أولى، ومصلحة المواطن فوق كل اعتبار.

لقد أثبتت التجارِب أن الدول التي نجحت في ترسيخ استقرارها وبناء تنميتها المستدامة، هي تلك التي أولت شؤونها الداخلية أولوية قصوى، وابتعدت عن الاستقطابات الخارجية والمغامرات الإقليمية التي تستنزف مواردها. فحين يكون الداخل هشًا، يصبح الخارج عبئاً لا سنداً.

الاستدارة نحو الداخل لا تعني الانعزال، بل تعني إعادة ترتيب الأولويات الوطنية. يجب أن تتقدم قضايا المعيشة، الصحة، والتعليم، والإصلاح المؤسسي على ملفات خارجية قد لا تحقق نتائج ملموسة.

إن المواطن الأردني، وهو جوهر الدولة وغايتها، يتطلع إلى سياسات تضع احتياجاته فوق الحسابات السياسية، وتعالج التحديات بلغة الأفعال لا الشعارات.

نحن اليوم أمام مرحلة تفرض على الجميع—أفراداً ومؤسسات وأحزاباً ونقابات—تغليب منطق الدولة على منطق الصراع الداخلي. الدولة القوية هي التي تعتمد الحوار بدل التناحر، والعمل المؤسسي بدل الارتجال، وتتبنى مراجعة صريحة للسياسات السابقة، مع محاسبة المقصرين والتوجه نحو بناء نموذج داخلي قادر على الصمود أمام الأزمات، والتكيف مع المتغيرات الخارجية بثقة وثبات.

تقدير الداخل… ضرورة وطنية

للأسف، كثير منا ينبهر بالأصوات القادمة من خارج الوطن، وينحاز لمن لم يقدم للأردن سوى القليل. بل إن البعض يتحدث بصوت مرتفع عندما يتعلق الأمر بالوطن، لكنه يهمس حين يكون عليه تقدير من يعيشون في محيطه. حتى أصبح الاعتراف بالإنجازات لا يُمنح إلا عبر وساطة الغربة، وكأن القريب لا يُجيد العطاء إلا بأمرٍ خارجي.

اليوم نحن بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة تقديرنا لمن حولنا، فالاعتراف بالفضل لا يحتاج إلى عدسات مكبرة، بل إلى قلوب مفتوحة وأبصار يقظة. فالخطأ لا يُمْحَى بالإنكار، بل يُصحَّح بالصدق، والنية الطاهرة، والمواطنة الحقيقية.

 

*كاتب ونقابي أردني

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment