كتبت لبنى عويضة
ما جرى في طرابلس ليس انتخابات بلدية، بل صفعة مدويّة على وجه النساء، وعلى وجه كل من لا يزال يراهن على أي إصلاح حقيقي في قلب هذا النظام المتكلّس.
مدينة بثقل طرابلس، بتاريخها وطاقاتها وتنوّعها، تفرز مجلسًا بلديًا من 24 عضوًا من دون امرأة واحدة!
لا نصف مجتمع، لا صوت مختلف، لا حضور لخبرات نسائية أثبتت جدارتها في كل المجالات.
ولا يخفى على أحد أن طرابلس لا تنقصها نساء كفوءات، بل يُشهد لنسائها بنضال طويل وكفاءة راسخة.
ما حصل ليس صدفة. إنه نتيجة حتمية لمنظومة ذكورية ترفض الاعتراف بالمرأة كفاعل سياسي وشريك في القرار، وتكتفي باستدعائها كزينة انتخابية تُقصى عند الجدّ وتُستعرض عند الحاجة.
أين القوى الفاعلة؟ أين كل الخطابات التي تتغنّى بالإصلاح والحداثة؟
كلها انهارت أمام أبسط امتحان: قبول المرأة.
لكن المسؤولية لا تقع على المنظومة وحدها.
المرأة نفسها، في كثير من الأحيان، لم تبنِ أرضية صلبة تُؤهّلها للصمود والمنافسة.
أما بعض الناخبين—وهم مرآة لواقع وطني أوسع—فلا يزالون أسرى ذهنية تختزل الكفاءة بالذكورة، وتعتبر التمثيل النسائي ترفًا لا ضرورة.
وبين مرشّحات بلا دعم، وناخبين فاقدي الوعي، ضاعت المرأة.
لكن القانون اللبناني لا يزال يتجاهل تمثيل النساء ببرودة، تاركًا الأمر لِـ”حُسن نوايا” اللوائح الذكورية.
ورغم هذا المشهد القاتم، لا بد من تسجيل إيجابية وحيدة: غالبية أعضاء المجلس الجديد من فئة الشباب.
هذا الدم الجديد قد يشكّل فرصة لكسر بعض الجمود، لو توفّر الوعي، والإرادة، والشجاعة الفكرية.
لكن أعمار الأعضاء وحدها لا تكفي. فالشباب ليس صفة بيولوجية، بل وعي، ومسؤولية، ورغبة حقيقية في التغيير.
ولمن يسارع إلى شيطنة طرابلس، نقول: المدينة ليست استثناء.
في انتخابات 2016، لم تتجاوز نسبة النساء في المجالس البلدية اللبنانية 5%، ونجحت 8 فقط في رئاسة بلديات من أصل 1059.
هذه وصمة وطنية، لا محلية فقط.
المرأة اللبنانية حاضرة بقوة في القضاء، في الإدارة، في التعليم، وفي كل مواقع الإنتاج.
لكنها تُمنع من مقعد بلدي، كأن القرار العام حكر على الرجال.
وهنا، تبرز الحقيقة المؤلمة:
ما جرى لا يعكس فقط خللًا في القانون أو غيابًا للتمثيل، بل أزمة أعمق في الوعي الجماعي.
حين تفشل مدينة بأكملها، بمجتمعها، وناخبيها في إيصال امرأة واحدة إلى المجلس البلدي، فالمشكلة بنيوية، ثقافية، تمتد من البيت إلى صندوق الاقتراع، خصوصاً ان نسبة لا تستهان بها من الناخبين هم نساء وكان يجدر بهنَّ دعم المترشحات.
هذا المجلس لا يُعبّر فقط عن تمثيل ناقص، بل يعكس ذهنية لا تزال ترى في المرأة خطرًا لا شريكًا، صوتًا مزعجًا لا قيمة مضافة.
إنه مرآة لمدينة تُقصي نساءها وتسمّي ذلك “إنجازًا”، ومرآة لسلطة تجمّل الصورة بمساحيق الكلام لا بتغيير الواقع.
لكن المدينة تراقب. والنساء لا يُقصين طويلًا.
ولا جدوى من اللطم على غياب النساء عن المجالس، إن كنّا نحن من سهّل غيابهن.
التمثيل لا يُفرض على اللوائح، بل يُنتزع من الأرض.
وإن كانت النساء غائبات اليوم، فلنسأل بصدق: ماذا فعلنا نحن، كمجتمع وكناشطين، طيلة هذه السنوات؟
التاريخ لا يرحم مجالس تُبنى على التهميش والإنكار.
شاؤوا أم أبَوا، المرأة نصف المجتمع، ولا بدّ من تأسيس أرضية صلبة لخدمة النساء وتمكينهن، كي تضرب المرأة يومًا بيد من كفاءة، وتأخذ مكانها الطبيعي لا بالاستعطاف بل بالجدارة.
Comments