بسام ضو *
علم السياسة يذكُـرْ إنّ مصطلح الدولة State مُشتّقْ من مفردة Status التي تعني الحالة أو النظام الذي يُنظِّم أمور الدولة، وبالتالي على هذا النظام إرساء منظومة سياسية حرّة سيّدة تحترم الأصول والأعراف والقوانين وتُمارس السلطة بموجب نظام ديمقراطي سليم غير مُشوّه .دائمًا نستند كباحثين إلى الديمقراطية التي هي أساس أي نظام ديمقراطي لا بل نظام يصنع القرار الذاتي المستقل داخل المؤسسات الشرعية وفق حصص متساوية من السلطة دونما غبن أو إقصاء أو إقطاعية أو دكتاتورية.
الدول الديمقراطية تتميّز بقدرتين وهما القدرة على التدخّـلْ في المجتمع بشكل قانوني تُحفظ فيه الحقوق والواجبات، الإعتراف بالسيادة التّامة والمطلقة من خلال إطار قانوني – إقليمي – دولي لدول ذات سيادة مماثلة. الدول الديمقراطية قيمة أساسيّة لأي نظام سياسي يحترم حقوق مواطنيه ومؤسساته الشرعية المدنية والعسكرية، وأي نظام سياسي ديمقراطي يُمارس سلطة عليه واجبات جمّة منها تعزيز وإذكاء الوعي بحقوق الإنسان والتنمية والسلام والأمن .
الدول الديمقراطية تعمل بجهدْ لدعـم النظام الديمقراطي الغير تسلُّطي ودكتاتوري وصُوَري ويقوم بجهود جبّارة لإرساء العدالة والديمقراطية ويركّز على تعزيز الحوكمة الرشيدة ومراقبة الإنتخابات ودعم المجتمع المدني وتعزيز المؤسسات الديمقراطية والمساءلة وضمان حرية تقرير المصير وحرية التعبير والخيار والمحافظة على السيادة التامة والناجزة .الدول الديمقراطية تُدير شؤونها بنفسها وبحياد تام عن أي محور ولا تتدخل في شؤون الغير ولا تسمح بالتالي لأي كانْ في التدخل في شؤونها ولا بضرب عذرية سيادتها،الدول الديمقراطية تدير الشؤون السياسية بحكمة ورؤية شاملة وتبني السلام العادل .
الدول الديمقراطية لا تحتكر ممارسة النظام وبالتالي لا تُدافع عن نظام بائد فاسد متلّون بل تعزِّزْ الحوكمة والديمقراطية بإعتبارها مجموعة من القيم والمبادىء التي تُعزِّزْ المشاركة الفاعلة والمساواة والأمن والتنمية البشرية، إنّ الديمقراطية السليمة والتي تُمارس وفقًا للأصول دونما أي تزوير تتيح البيئة التي تفرض إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويُعبِّـر الشعب فيها عن إرادته بحرية ويُشارك في صنع القرار ويُحاسب صُنّاع القرار في حالة الخطأ، ويتناغم هذا الأمر ضمن المبادىء العامة اتي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكِّد على أنّ إرادة الشعب هي أساس سلطة النظام السياسي، كما أنّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يُطـوّر هذه المبادىء بإعتبار أن القانون الدولي ينص على حرية التعبير وحق التجمّع السلمي وحرية تكوين الجمعيات .
إنطلاقًا ممّا أسلفناه نعود كمركز أبحاث PEAC للتذكير أنه في العام 1988 دأبت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إعتماد قرار سنوي يتناول أحـد جوانب الديمقراطية، كما أنه في العام 2015 تعهّد كل قادة العالم وضمن إطار خطة تنمية مستدامة لعام 2030 بالعمل من أجلِ عالم تُـعّـدْ فيه الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون فضلا عن بيئة مؤاتية على المستوى الوطني والدولي عناصر ضرورية لأي تنمية فكرية – سياسية ...وقد تمّ التأكيد على هذا التعهد .
حرية التعبير والإقتراع أمران مهمّان وركيزتان أساسيتان للنظام السياسي، وتُعّـد قيم الحرية وإحترام حقوق الإنسان وإجراء إنتخابات دورية نزيهة بالإقتراع العام عناصر جوهرية للديمقراطية، الإنتخابات الديمقراطية توّفِرْ بدروها بيئة مؤاتية لحماية حقوق الإنسان وأعمالها بفعالية .
إستنادًا لِما جرى منذ الرابع من أيّار أي عند بدء عمليات الإقتراع لاحظنا كمركز أبحاث أنّ العملية الإنتخابية شابها من تفسيرات وتأويلات حول عمليات : التحالفات – الإقتراع – الفرز – إعلان النتائج، لا بُـدّ من التوقف عندها ودرس دلالاتها التي على ما يبدو تتجاوز تخوم هذه الإنتخابات والتي تُعّـد كمرحلة إنتقالية لإتمام توظيفها في الإستحقاق الإنتخابي النيابي لأنه حتمًا وإستنادًا لِما خبرناه في السابق أنّ هذا الإستحقاق النيابي المنتظر والذي يُعمَـلْ له سيُشكِّلْ واحدًا من أكثر الإنتخابات إثارة للجـدل في تاريخ الديمقراطية اللبنانية .
نظرة سريعة على خريطة التحالفات في الإنتخابات البلدية والإختيارية تظهّـر المشهد المعقّد والذي يصعب تفسيره وهضمه في ضوء إعتماد المصالح الإنتخابية والتحالفات الموضعية بين قوى الأمر الواقع، وفي تفصيل مقتضب على القارىء والمتابع ومراكز الأبحاث النظر إلى التحالفات الهجينة التي حصلتْ والتي أفضتْ لسيطرة مطبقة على أغلبية البلديات والمخاتير لأنّ المكوّنات السياسية تبحث عن مصالحها الإنتخابية لا بل تسعى مجاهرة لإبقاء نفسها المسيطرة على مراكز القرار .كيف يتم تفسير التحالف القواتي مع حزب الله في دوائر معينة وحالة خصومية في دائرة أخرى؟! إلا يحق لأحد بهذا السؤال وهذا فيض من غيض والقصة ليست محصورة بالقوات وحزب الله بل تُعمّم على كل القوى السياسية إنه تحالف التناقضات والمصالح الخاصة .
الدول الديمقراطية وإحترام حق التعبير والإقتراع مقولة غير مُطبقة في جمهورية الفساد والتزوير والرشوة، إننا نتخوّف من جملة تحديات داخلية وخارجية مركبّة قد ترسم سياسات عامة على الصعيدين الداخلي والخارجي سياسيًا – أمنيًا – إقتصاديًا – إجتماعيًا، وهذا ما سيُصعِّبْ عملية إتخاذ القرارات والتعامل مع التطورات المتوقعة ونحن أمام حالة عدم يقين وعدم إلتزام وعدم قدرة على المواجهة، وستنعكس على أوضاعنا العامة في البلاد وسنكون أمام أزمة ثقة بين الدولة والمواطن بسبب عدم وجود "نخب سياسية " وعدم وجود قادة رأي لهم السِمات القيادية والقدرات الشخصية لقلب موازين القوى وقدرتهم على مواجهة أزمة التضليل ونتائج هذه الإنتخابات البلدية والإختيارية بحكمة ومهارة مطلوبتين في هذا الظرف الدقيق .
* كاتب وباحث سياسي
Comments