غدير عبدالله الطيار – مستشارة وكاتبة سعودية
في ليلةٍ رمزيةٍ، وبين هتافات الجماهير الصفراء، رفع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو يده ملوّحًا، وكأنه يودّع. لم تكن مباراة النصر والخليج مجرد مواجهة كروية عادية، بل حملت في طياتها مشاهد وإيحاءات قد تكتب فصلًا أخيرًا في مسيرة أحد أعظم من أنجبتهم ملاعب كرة القدم.
حتى في غير أيامه، يبقى رونالدو أسطورة، كتب اسمه في كتاب المجد بمداد من الذهب. لم تكن رحلته مع النصر مجرد تجربة احترافية، بل كانت حكاية عشق متبادل بينه وبين جمهور لم يعتد استقبال العظماء بهذا الشكل، فبادلوه بالحب، والاحترام، والانبهار.
ربما لم يحقق الدون بطولات محلية مع النصر حتى الآن، لكن مجرد وجوده في السعودية هو بطولة بحد ذاتها. تحدث عن المملكة بفخر، وعرّف العالم على دوري روشن الذي بات يُبث في أكثر من 150 دولة، وتضاعف الاهتمام به سبع مرات عما كان عليه قبل وصوله. هذه ليست صفقة رياضية فقط، بل مشروع وطني أوسع، أعاد تشكيل صورة الكرة السعودية عالميًا.
كريستيانو الذي ودّع عامه الـ39 في فبراير الماضي، وبدأ عقده الرابع بهدف ضد الفيحاء، لا يزال يطارد حلمه بتسجيل الهدف رقم 1000، وقد بلغ حتى الآن 924 هدفًا رسميًا مع الأندية والمنتخب. أربعون عامًا من الإنجازات، الدروس، والاحتراف النادر، قدّم خلالها نموذجًا يُحتذى به في الصبر والعزيمة.
في إحدى اللحظات المؤثرة، ظهرت والدته تصفق له من المدرجات، تهتف بحب وفخر.. في السعودية. وكأنما نقول: نعم، هو بيننا، وكأنّه من أهلنا. أصبح رونالدو السفير الأول للرياضة السعودية، بوعيه وحضوره وتأثيره الإعلامي، وشغفه الذي لم يخفت يومًا.
حين نشر أول صورة له بقميص النصر على "إنستغرام"، حققت قرابة 26 مليون إعجاب خلال 15 ساعة فقط، لتكون من أكثر الصور إعجابًا عالميًا عام 2022. منذ لحظته الأولى، كسب قلوب الملايين، وسكن الذاكرة الشعبية والرياضية.
اليوم، ومع كل حديث عن رحيله، لا نملك سوى الامتنان. الامتنان لمن أحضره، لمن أتاح لنا فرصة مشاهدة أسطورة حية تسير على ملاعبنا، ولمن جعل كرة القدم في السعودية أكثر إثارة، وأكثر جدية، وأكثر احترامًا.
ويبقى السؤال: هل اقترب الوداع؟
ربما.. لكن ما نعلمه يقينًا أن رونالدو سيبقى، في الذاكرة، في القلوب، وفي صفحات التاريخ السعودي، معشوق الجماهير.
شكرًا يا كريستيانو.. ستبقى خالدًا.
Comments