بقلم: مارون سامي عزّام
ما زال مجتمعنا العربي يغُوص أكثر وأكثر بمشاكل عديدة، لا يستطيع مكافحتها بأدواته التقليديّة... لقد انطبَعَت الجريمة في كل مفاصل حياتنا، وصارت جزءًا "مهمًّا" منها، تحاصرها مليشيات الإرهاب الاجتماعي، كالسرقات، التّهديد وانتهاك البيوت، بينما يبقى الأفظع، الإرهاب العائلي المنتشر في بعض العائلات الشّاذة سلوكيًّا، إذ تعتدي على أبنائها وبناتها جسديًّا بوحشيّة، تُعذّبهم بالأدوات الحادّة، رغم أن أعمار بعضهم لم تتعدَّ بضعة أشهر أو بضع سنوات، أو حتّى ما بعد بلوغهم سن المراهقة!
يبقى السؤال: ألَم يولد هؤلاء المساكين من حُبٍّ متبادل بين الزّوجين؟!!... ألَم تكُن ولادتهم ثمرة علاقة حميمة بينهما؟!! إلّا أنّه كُتَب لهُم أن يعيشوا معيشة قهرٍ ومعاناة شديدتَين، ولم يُسعفهم نصيبهم المتعثّر... فتآمر عليهم القدر، المتحكِّم بالزّمن، وبات حَكَمًا شرسًا في دائرة صراعٍ بين الضمائر المَيْتة على تحطيم حوض خلاص هؤلاء المقهورين، فهذه سلسلة تراجيديَّة لا ولن تنتهي.
هؤلاء الأطفال عبارة عن كائنات بشرية، غير موجودين في أقبية التّعذيب، للتّحقيق معهم في تهمة ما، بل موجودون في أتون التّعذيب العائلي اليومي، بدون أن ينتهج الأوصياء عليهم أساليب أبويَّة استفساريَّة رادعة، لأنَّهم لا يجدون من يردعهم!!، من منطلق أنَّه "شأنٌ عائليّ خاص"... إلّا إذا تجرّأ أحد الأبناء، وقدّم شكوى للشرطة ضد أحد أفراد العائلة، وعندما يقترب العامل الاجتماعي أو النَّفسي المختص من الضحيَّة "العائليَّة"، تنتابها غالبًا حالة ذعر هستيريَّة، لشعورها بالخوف من "الزمرة الأُسريَّة".
بدأت هذه الظّاهرة الجنائيّة، تطفو قليلًا على المواقع الإخبارية الإلكترونيَّة للصُّحف العربية المحلية، لكن تبقى صفحاتهم على موقع الفيسبوك، هي الأكثر انتشارًا، لأن الجمهور يستهلك أخباره بنهم... مع انتشار منصّات التواصل الحديثة في كل بيت وغرفَة، بدأ هؤلاء المعذَّبون يلجئون لها كثيرًا، كوسيلة تعبيريَّة حرَّة، تجعلهم يُفصحون عن كل ما يمرُّون به من تنكيل وتعنيف، جسدي أو كلامي، أمام آلاف المتابعين، ليفضحوا الوجه الحقيقي لأهاليهم، من خلال عرض فيديوهات مفصَّلة، يروي فيها هؤلاء المنشقِّون عن النِّظام العائلي الظّالم، تفاصيل مُروِّعَة، لما تعرَّضوا له، عندها تتحوّل قضاياهم إلى الرأي العام الافتراضي، لتُشهَر سيوف ردود الفعل الحادّة والجارحة أمام الحقيقة المغيَّبَة.
لماذا يفرض بعض الآباء هذا الطغيان العائلي على أبنائهم؟!، للأسف الشّديد هناك اعتقاد خاطئ يقول إن التّربية القاسية تردعهم، ترشدهم إلى طريق الصّواب! مع أن القسوة غير العقلانية تعتبر أسهل الطُرق إلى انحرافهم، أو يهربون من المنزل، ليعيشوا حياتهم خارج سلطة الأهل الجّائرة، وهنا يتشرَّد مصيرهم، وتضيع بوصلة آمالهم، كل هذا يتم "تحت إشرافها"، كأنهم لا قيمة لهم، أو باتوا عديمي الفائدة، فلذلك هذه السُّلطة لا تعلم أنّها تخلُّت عن شرعيَّتها... باعت كرامتها، فقدت احترام وتقدير الآخرين لها!!
هناك أهالٍ يدّعون أنهم ليس لديهم القدرة الماديّة لإعالة أبنائهم، بشكل لائق، لأنهم يعتبرونهم "عبئًا معيشيًّا" عليهم، لا يستطيعون ضمان حقوقهم الأساسيّة، مع أن هؤلاء الأبناء المساكين، سيَحفظون مكانة أهاليهم الاجتماعية، بأخلاقهم الحميدة وبتصرّفاتهم اللبقة، سوف يدعمونهم عندما تطالهم أذرع أخطبوط الشّيخوخة، التي ستُقيّد نشاطهم الجسدي والذِّهني!!
على ما يبدو، لم تتفتّح براعم المفاهيم الإنسانيّة لهؤلاء الأهالي الهمجيِّين، فما يرتكبونه من فظائع بحق أبنائهم، يُعتَبَر خرقًا فاضحًا للقوانين والنُّظُم العقائديّة، وتمادٍ غير مسبوق على الدِّيانات المقدّسة... وللأسف هناك أمهات يشاركن بعض الآباء بجريمة الاعتداء الجنسي على بناتهن، فيقفن هؤلاء القاتلات للشَّرف "شاهدات" على هتك عرضهنَّ، رغم أنّهن تطوّرن في أرحامهن!!
بعض الأهالي الشّواذ أخلاقيًّا، عليهم أن يعرفوا كيفيّة استيعاب أبنائهم، والتعامل معهم بطريقة واضحة، بدون اضطرابات ومشاحنات حواريَّة، لأنها ستؤدّي إلى طريق مسدود... إنّ الأبناء يحتاجون إلى ليونة فكريَّة، لأنّهم سنابل موسم حصاد التَّربية المنزليَّة، المُثقلة بالعلوم والأفكار الذّكيَّة. والعائلات غير النمطيَّة، التي اقتحمت حدود الإنسانيّة، كان بإمكانها رَسْم الملامح السليمة لأي علاقة منضبطة، متكافئة بينها وبين أولادها، فهُم بالنّهاية ثمار عمرهم، وسيجني المجتمع إنجازاتهم، ليرتقي ويفخر بهم.
Comments