bah الجنوب ينتخب غداً ويتحدى الترهيب.. انتخابات الجنوب بين التزكية والنار والسيادة المعلّقة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الجنوب ينتخب غداً ويتحدى الترهيب.. انتخابات الجنوب بين التزكية والنار والسيادة المعلّقة

05/24/2025 - 01:25 AM

absolute collision

 

تحليل اخباري خاص

.....................................................

 

 

"بيروت تايمز " تجول في قرى الجنوب عشية الانتخابات البلدية والاختيارية.

 

 اهالي الجنوب لـ "بيروت تايمز"
سنقترع بكثافة في الانتخابات ولن يرهبنا العدو الاسرائيلي - انه يوم وطني جامع

 

مصادر الثنائي الشيعي لـ "بيروت تايمز"
التصعيد مرتبط بعملية الدخول على خط الانتخابات لتعطيلها وتخويف الأهالي ودفعهم إلى عدم المشاركة

 

مصادر دبلوماسية اميركية لـ "بيروت تايمز"،
الدولة أجرت اتصالات مع الأميركيين لضمان سلامة يوم الاقتراع، والشريط الحدودي أصلاً فازت بلدياته بالتزكية لتجنيب المخاطر

 

 

جنوب لبنان - منى حسن - بيروت تايمز 

 

كما كان متوقعا دخلت قوات الاحتلال الاسرائيلي على خط ترهيب الجنوبيين عشية موعد الانتخابات البلدية والاختيارية غدا، وشنت الطائرات الحربية المعادية غارات عنيفة على اكثر من منطقة كان اكثرها خطورة استهداف مبنى في بلدة تول قرب النبطية بعد انذار مسبق بقصفه.

وفيما تتعاظم المخاوف من استمرار التصعيد خلال الساعات القليلة المقبلة يتحضر الجنوبيون لتحد جديد في مواجهة العدوان حيث تحولت الانتخابات في القرى والمدن الشيعية الى استفتاء على خيار المقاومة بعدما توالى الاعلان عن فوز 77 مجلسًا بلديا بالتذكية منها 73 للوائح "التنمية والوفاء".

 

اما "ام المعارك" مسيحيًا فتخوضها بلدة جزين - عين مجدلين التي تحولت الى "زحلة" الجنوب حيث تتنافس لائحتان واحدة مدعومة من "القوات" "والكتائب" مقابل لائحة مدعومة من "التيار الوطني الحر" والنائب ابراهيم عازار، ولائحة ثالثة مباركة من النائب السابق زياد اسود وهناك انتشار كثيف للجيش اللبناني والقوى الامنية.

اما صيدا فتخوض معركة محتدمة لتحديد حجم موازين القوى سنيا في المدينة.3 لوائح مكتملة احداها مدعومة من النائب اسامة سعد، ولائحة تدور في فلك "تيار المستقبل"، ولائحة مقربة من النائب عبد الرحمن البزري، اما اللائحة الرابعة فهي غير مكتملة "للجماعة الاسلامية" والتي قد تلعب دور الصوت المرجح في هذه الانتخابات.

 

بين التزكية والمعركة: الثنائيّ الشيعيّ يرسم حدود اللعبة

على ضفّة القوى المحليّة، يتحرّك ثنائيّ "حزب الله – حركة أمل" وفق استراتيجيّةٍ معلَنة الهدف: بلوغ أكبر قدرٍ ممكن من التزكيات يجنب القرى "سِجالًا انتخابيًّا لا يَسمح به ترفٌ سياسيّ ولا أمنيّ"، ويثبّت في الوقت نفسه القبضةَ التنظيميّة المجرَّبة منذ ما بعد 2005. ولأنّ التزكية تحتاج شركاء – ولو بالصورة – يجري تدوير الزوايا مع العائلات النافذة، والحزبيّين الصغار، والمستقلّين "الهادئين" لتتشكّل لوائحُ ائتلافيّة تُنقذ ماء وجه التعدّديّة شكلًا، بينما تكرّس عمليًّا احتكارَ القرار التنفيذيّ والماليّ داخل المجالس الجديدة. ويواكب ذلك قرارٌ رسميّ بتمديد مهلة سحب الترشيحات إلى ما قبل يومٍ واحدٍ من إقفال بابها.

أثمرت هذه الاستراتيجيّة حتّى الآن إعلانَ فوزِ أكثرَ من أربعين مجلسٍ بلديّ بالتزكية، بينها الخيام وميس الجبل ويارون وعيناثا، وكلّها بلداتٌ حدوديّة عاشت النكبة الأخيرة بحدّها الأقصى.

غير أنّ هذا "الإنجاز" لا يخلو من تململٍ مكتومٍ في بيئاتٍ يساريّة وبعض العائلات الّتي ترى في التوافق أحاديِّ الكفّة مصادرةً لحقّها في المساءلة، بل وتعليقًا إلى أجلٍ غير مُسمّى لحلم بناء نموذجٍ بلديٍّ جديدٍ قادرٍ على إدارة ما بعد الحرب.

وإن كان يفترض المنطقُ الدستوريّ أنّ التزكية فعلٌ ديمقراطي "سليم" متى تحقّق شرطٌ أساس: ألّا تتحوّل إلى أداةِ احتكارٍ عبر مصادرة النصاب ومنحِ الرئاسة للفريق نفسه.

أنّ ما يحدث في معظم قرى الجنوب هو نقيضُ هذا الشرط؛ إذ لا يعود "التوافق" سوى واجهةٍ لنظامٍ أكثريٍّ مطلق يقتل التعدّديّة ويعيد إنتاج الزبائنيّة التي عطّلت منذ التسعينيّات استقلالَ القرار المحلّي وبقدر ما تتفاقم الأزماتُ الماليّة والخدماتيّة، يصبح احتكارُ الصلاحيّات بوابةً جديدةً لرهن القرى لبرامج إعادة الإعمار الآتية – غالبًا – عبر مساراتٍ حزبيّة أو خارجيّة مشروطة.

 

عشية الانتخابات البلدية

عشية الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية التي ستحط على أرض الجنوب المدمّرة حدوده تدميراً كاملاً، والنازف قلبه من أشرس عدوان مرّ عليه، أعاد العدو الإسرائيلي إلى الأذهان مشهد خرائط الناطق باسم جيشه افيخاي أدرعي وتحذيراته وأطلق صاروخاً طاول خاصرة النبطية في اتجاه بلدة تول.

وقد عبرت مصادر الثنائي الشيعي لـمراسلة "بيروت تايمز" انّ هذا التصعيد مرتبط بعملية الدخول على خط الانتخابات لتعطيلها وتخويف الأهالي ودفعهم إلى عدم المشاركة واضافت ان العدو الإسرائيلي تقصّد توجيه رسالة بأنّه مستمر في الحرب العسكرية والأمنية، وما لها من تأثير نفسي على سكان الجنوب وخلق القلق في نفوسهم، واختار دلالات التوقيت في إشارة واضحة لتوتير الأجواء ومنع الإقبال على الانتخاب.

وتوقعت المصادر أن تكون ردّة فعل الناس معاكسة بإثبات إرادة التحدّي والمواجهة والإصرار، وهذا الاعتداء الإسرائيلي كان الرئيس نبيه بري قد لفت إليه بقوله من عين التينة، انّ "الاعتداءات الإسرائيلية دائماً في الحسبان، وانّ عامل الترهيب الذي أدخله الإسرائيلي على الاستحقاق الانتخابي سيرصد قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع لمعرفة الوتيرة، خصوصاً انّ التزكية في معظم البلدات استفزته، لما لها من بعد سياسي وانتمائي وتأكيد لتزكية الناس لخط المقاومة ولإعادة الإعمار.

 

محاولة التشويش

وإلى ذلك، قالت مصادر مواكِبة للانتخابات البلدية في الجنوب لـ "بيروت تايمز" انّ الغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق عدة في الجنوب عشية "السبت البلدي" لا يمكن فصلها في توقيتها واتساعها عن محاولة التشويش على العملية الانتخابية وإحاطتها بمظاهر التوتر والتشنج للتأثير على نسبة إقبال الجنوبيين على صناديق الاقتراع.

واعتبرت "انّ ما قيل حول ضمانات حصلت عليها الدولة من واشنطن في شأن عدم حصول اعتداءات إسرائيلية يوم الانتخابات، ستكون موضع اختبار على الأرض، لأنّه لا يمكن الركون إلى أي ضمانات عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي".

ولفتت المصادر إلى "انّ العدو الاسرائيلي معروف بعدم احترامه لأي التزامات او اتفاقات، وما يرتكبه من انتهاكات شبه يومية لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 هو أكبر دليل على ذلك".

وقالت: "إنّ الردّ على العدوانية الاسرائيلية سيأتي من خلال صناديق الاقتراع وعبر تصويت الجنوبيين الذين سيوجهون الرسائل الواضحة إلى كل من يهمّه الأمر".

 

اتصالات مع الأميركيين

كشفت مصادر دبلوماسية لـ "بيروت تايمز"، انّ الدولة أجرت اتصالات مع الأميركيين لضمان سلامة يوم الاقتراع، والشريط الحدودي أصلاً فازت بلدياته بالتزكية لتجنيب المخاطر، ومن هنا كانت ردة فعل العدو انّه ضرب بالعمق في النبطية وإقليم التفاح من دون أي رادع.

 

انتخابات الجنوب...الاستحقاق المزدوج وعشية الانتخابات البلدية والاختيارية 

في محافظتَي الجنوب والنبطية، يقف اهالي الجنوب غدا أمام استحقاق مزدوج بين صناديق الاقتراع ومتطبات الأمن، فالقرى المحاذية للشريط الحدوديّ تتأرجح يوميا بأعتداءات إسرائيلية تطال امنهم ومنازلهم واليوم الخوف ان يصادر حقهم في التصويت كما صادرَ سابقا بيوتا وحقولًا وأرواحًا.

وتتجه الانظار نحو الجنوب حيث ستُجرى غدا السبت الجولة الرابعة والأخيرة للإنتخابات البلدية والاختيارية، في ظل دعوات للمشاركة بكثافة في الاستحقاق، ابرزها من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وجه نداءً الى الجنوبيين "للمشاركة الكثيفة في الاقتراع للوائح التنمية والوفاء، خاصة في القرى الأمامية، لإنتاج مجالسها البلدية والاختيارية وللتأكيد من خلالها للمحتل الإسرائيلي وآلته العدوانية، أن هذه القرى العزيزة لن تكون إلا لبنانية لأهلها ومساحة للحياة وليست أرضاً محروقة وسنعيد إعمارها ولن تكون شريطاً عازلاً مهما غلت التضحيات". وهنا تتداخل حسابات الأمن والسّياسة معًا لتُنتج مشهدًا بالغَ التعقيد يحتاج قراءةً أعمق من مجرّد أرقام لوائح أو مسافات مراكز اقتراع.

 

 "بيروت تايمز " تجول في قرى الجنوب 

عندما تصل إلى قرى الجنوب اللبناني، التي لا تقاس عودة الحياة بضجيج الاحتفالات، بل بصوت المطرقة وهي تدق ألواح الصفيح، وبمبانٍ مؤقتة تشيد على عجل، لكنها تحمل رمزية أثقل من جدران الإسمنت.

هناك، حيث اختار الناس العودة رغم الحطام والتهديد، تعلن هذه البيوت الجاهزة أن الجنوب لم يهزم، وأن أهله قرروا الحياة رغم كل شيء، ليست هذه الغرف المعدنية مجرد مأوى للنازحين، بل رسالة سياسية معلنة: إسرائيل فشلت في كسر إرادة الجنوبيين.

في الوقت الذي لا يزال فيه الشمال الإسرائيلي مقفلاً على سكانه، تعود قرى مثل كفركلا ويارون وحولا إلى نبضها الأول، ولو تحت نيران القصف، صواريخ تسقط على منازل لا سلاح فيها ولا مقاتلين، بل فقط أسر قررت ألا ترحل. هذا الإصرار البسيط على البقاء، أصبح في نظر الاحتلال تحديًا أخطر من أي جبهة.

ففي كفركلا تحديدًا، لم تكن الضربات عشوائية، فطائرات الاستطلاع كانت تراقب عن كثب محاولات البلدة استعادة بعض من عافيتها، قبل أن تستهدف عدة بيوت جاهزة في التوقيت نفسه، لم تغب المسيرات الإسرائيلية عن أجواء الجنوب اليوم بل استمرت بخرق السيادة اللبنانية تبث برسائل إلى اهل الجنوب أنها موجودة وحاضرة ولهم بالمرصاد ولكن هي لم تدرك أنها تحاكي أبطال.

 

الحاجة فاطمة موسى خسرت زوجها وهدم منزلها بسبب العدوان الإسرائيلي قالت: هذا العدو لن يخيفنا لن يهبط من عزيمتنا، الجنوب سيبقى دائما منطقة تنبض بالحياة.

اضافت: نعيش تحت القصف وسنمارس حقنا الانتخابي غدا تحت القصف، هذه الأرض قدمت شهداء ولن نتخلى عنها، وختمت بالقول اذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر، اذا الشعب تمسك بارضه فلا بد ان يرضخ العدو ويتراجع ويعود من حيث اتى.

 

الدكتور عادل الزين قال: رغم كل الاعتداءات الاسرائيلية على أرض الجنوب غدا سنتوجه إلى صناديق الاقتراع وننتخب، الأرض ارضنا، الأرض لأبنائها، لمن يرويها بدمه، لمن يدافع عنها باللحم الحي، لمن يستشهد على طريق العودة اليها.

لا أحد، لا أحد يمكنه أن يمنعنا من ممارسة حقنا الديمقراطي الانتخابي لذلك غدة سنتوجه الى صناديق الاقتراع وننتخب ولو بالنار، الإسرائيلي لن يخيفنا او يرهبنا !

 

الحاجة فاطمة زعرور قالت: نحن أبناء الجنوب الجريح نعبر عن تعلقنا بأرضنا وهويتنا رغم تهديدات العدو الاسرائيلي، نتوجه بتحية إكبار الى أهلنا الصامدين في أرض الجنوب أو الذين اضطرهم العدوان الى النزوح قسراً عن ارضهم.

اضافت: غدًا سنتحدى العدو الاسرائيلي ونذهب إلى صناديق الاقتراع وسنصوت. نحن واجهنا نيران العدوان ببسالة لان وطنيتنا باتت مثالا يحتذى بها وشهادة بالدم بأن لا حق يضيع ووراءه مطالب.

ودعت الدول التي رعت تفاهم وقف النار الى تحمّل مسؤولياتها في ردع العدوان واجبار العدو الاسرائيلي على الانسحاب من الاراضي التي تحتلها وإلا سنعود إلى المقاومة بطرقنا الخاصة.

 

السيدة منار الحاج قالت: أنحني أمام الشهداء والجرحى من أهلنا المدنيين العزل في الجنوب وأمام إرادتهم الصافية في وجه احتلال يخرق اتفاق وقف إطلاق النار.

نحن ستبقى أوفياء للعهد الذي قطعناه على أنفسنا بأن لا نترك ارضنا سنلبي نداء رئيس مجلس التواب نبيه بري وسنتوجه إلى صناديق الاقتراع حتى لو كلف هذا الانتخاب حياتنا.

 ودعت المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته تجاه احتلال خارج على قانونه وعلى اتفاق ضمنته ورعته دول عظمى والتزم به لبنان التزاما كاملا".

 

نور قبيسي اشارت الى ان الاسرائيلي يمعن في خرق اتفاق وقف النار وهذه رسالة كبيرة للمجتمع الدولي تحمله مسؤولية الضغط على اسرائيل لانسحابها". اضافت: سيقف اهل الجنوب غدا بالطوابير ليعبرون عن رأيهم في صندوقة الاقتراع.

 

بتول عز الدين قالت: في يوم الانتخاب سنكون متواجدين في القرى الأمامية لإنتاج مجالسنا البلدية والإختيارية وللتأكيد من خلالها للمحتل الإسرائيلي ولآلته العدوانية، أن هذه القرى العزيزة لن تكون إلا لبنانية لأهلها ومساحة للحياة وليست أرضاً محروقة وسنعيد إعمارها ولن تكون شريطاً عازلاً مهما غلت التضحيات.

اضافت: سنقترع بكثافة، وهي رسالة موجه للعدو الإسرائيلي ولآلته العدوانية التي تعيش من خلال قتل الابرياء، أن هذه القرى هي لنا ارضنا ترابها حياتنا تاريخنا وأرض الأجداد وسنحافظ عليها.

 

طائرات العدو الإسرائيلي

على المقلب الآخر تشاهد كيف أن طائرات العدو الإسرائيلي دمّرت منازل كثيرة، حتى قبل أن تسكن من قبل الأهالي، ما يؤكّد على رسالة إسرائيل بمنع العودة إلى الأرض، وأي محاولة ترميم، مهما كانت، ستقابل بالنار.

منذ بداية المواجهة المفتوحة على الحدود الجنوبية، لجأت إسرائيل إلى سياسة الأرض المحروقة، لكن ما يحصل مؤخرًا يشي بمرحلة جديدة، قصف ممنهج للبنية المؤقتة، لا بهدف منع العودة فقط، بل بهدف زيادة الضغط على "الحزب"، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تخيفهم الغرف الجاهزة؟.

قد لا يبدو للوهلة الأولى أن غرفة جاهزة في بلدة حدودية تشكّل تهديداً عسكرياً حقيقياً لإسرائيل، لكنها تهديد من نوع آخر، فهي البداية .. البداية التي تعرف إسرائيل أنها، إذا حصلت، سيتبعها ترميم، ومن ثم عودة، ثم حركة اقتصادية صغيرة، ثم استقرار، ثم حديث عن انتهاء الحرب، والاحتلال لا يريد أن تنتهي هذه الحرب على هذا الشكل.

لأن أي نهاية "هادئة" تعني انتصار الرواية المقابلة:" أن المقاومة صمدت، والناس عادوا، والدولة بدأت تدبّ خطواتها في الأرض الفارغة".

ولعل المشهد على الأرض أكبر دليل على ذلك، إذ في أكثر من بلدة، تكرّر المشهد ذاته، ففي يارون، أُحرقت غرف جاهزة كانت مخصّصة لإيواء العائلات العائدة، وفي حولا، سُوِّيت وحدات سكنية جاهزة بالأرض.وفي مناطق أخرى، طال الاستهداف حتى الخيم المؤقتة التي نصبتها البلدية أو الأهالي لتأمين الحد الأدنى من الدفء والمأوى.

الاستهداف لا يُقرأ فقط كرسالة موجهة لحزب الله، بل أيضاً للبيئة الحاضنة، مفادها "لن نسمح لكم بالعودة قبل أن تضمنوا لنا أن حزب الله لن يعود معكم".بهذا المعنى، تصبح البيوت الجاهزة ضحية اشتباك غير متكافئ، بين حق الأهالي في البقاء، وإرادة إسرائيل في فرض معادلتها الخاصة: "الأمن مقابل الحياة".

 

Image result for وزير الداخليّة والبلديّات أحمد الحجار

اصرار وزير الداخلية 

يصرّ وزير الداخليّة والبلديّات أحمد الحجار على أنّ الدولة "لا تساوم على سيادتها"، لكنّ وقائع الأرض تقول إنّ سيادة الاقتراع نفسها باتت رهينةً لاحتمالات النار.

فالاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة لا تُشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن الناخبين فحسب، بل أيضًا رسالةَ ضغطٍ نفسيّ تسعى تل أبيب من خلالها إلى تقويض أيّ فرصة لعودة الحياة المدنيّة الطبيعيّة جنوبَ الليطاني؛ ذلك أنّ نجاح الاستحقاق البلديّ في ذاته يُعَدّ علامةَ تمرّدٍ شعبيٍّ على منطق "المناطق العسكريّة المعلَّقة".

وحتّى الآن، اكدت مصادر دبلوماسية لمراسلة "بيروت تايمز" ان اللجنةُ الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار لم تقدم ضمانة واضحة تحول دون استهداف مراكز الاقتراع أو طوابير الناخبين على الطرق المؤدّية إليها.

وبرغم اتصالات بيروت بعواصم الدول الأعضاء في اللجنة وبالولايات المتّحدة بوصفها "الضامنَ الأبرز"، لا يزال الجنوبيّون يتلقّون وعودًا فضفاضة بلا أطرٍ زمنيّة مُلزمة، وعليه تتقدّم الدولة بخيارٍ دفاعيٍّ اضطراريّ: نقلُ أقلام الاقتراع من قرى "الخطّ الأوّل" إلى العمق – صور، النبطية وبعض بلدات الخطّ الثالث – علّها تقلّل المخاطر وتقنع النازحين بالعودة، ولو ليومٍ واحد، لممارسة حقّهم في الصندوق.

وفي الوقت الذي تقدّر جهاتٌ هندسيّة حكوميّة حجمَ الدمار الأخير بأكثر من خمسين قريةً مدمَّرة كليًّا أو جزئيًّا، وعشراتِ آلافِ الوحدات السكنيّة المهدّمة أو المتصدّعة.

ومع ذلك، تغيب أيُّ استراتيجيةٍ وطنية متكاملة لإعادة البناء، في حين تُترَك البلديّاتُ المقبلة أمام معادلة "إدارة الكارثة" بأدواتٍ بدائيّة: صناديقُ رعايةٍ اجتماعيّة محدودة، مساعداتٌ أغلبها سياسيُّ المصدر، وانعدامٌ شبه تامّ للتنسيق مع الوزارات المعنيّة.

هذا الانكشاف يشعل صراعًا إضافيًّا على البلديّات نفسها، إذ يُنظر إليها كمنفذٍ محتملٍ لمشاريع الإعمار وما تجرّه من وظائفَ وعقودٍ وتمويلات، وهو ما يُغري المعنيّين بفرض هيمنةٍ كاملة قبل وصول "خبزِ المساعدات" إلى المائدة.

 

حولا وعيترون: عيّنة من لعبة الكرّ والفرّ

في مقابل ذلك، تكشف بلدةُ حولا مثالًا صارخًا على اشتباك الحسابات الحزبيّة مع طموحات المستقلّين. فبعد محاولة الحزب الشيوعيّ عقدَ صفقةٍ يتقاسَم بموجبها المجلسَ مع الثنائيّ الشيعيّ (خمسة مقاعدَ مقابل خمسة، مع رئاسةٍ تتناوب عليها "أمل" و"حزب الله")، انتفض المستقلّون – كثيرون منهم من الخلفيّة اليساريّة نفسها – ضدّ ما اعتبروه "توافقًا فوقيًّا" يستبعد القاعدة الشعبيّة ويعيد إنتاج سلطةٍ مُجرَّبة.

النتيجة: ثلاثُ لوائحَ غير مكتملة، خمسُ شخصيّاتٍ مستقلّة، وحزبٌ شيوعيّ يخوض معركةً منفردةً بين مطرقة الحليف المستجدّ وسندان البيئة المعارضة.وشهدت عيترون انقسامًا مشابهًا يؤشّر إلى أنّ "التعبئة البلديّة" لا تسير بسلاسةٍ كما يرغب مهندسوها، وأنّ مزاجًا اعتراضيًّا — ولو صامتًا — يتشكّل في الهامش.

 

صناديق الاقتراع جبهةٌ موازية

والحال أنّه، لا تُقاس أهمّيّة البلديّات في الجنوب بأرقام الموازنات وحدها؛ فهي "المختبرُ السّياسيّ" الأبرز الذي يختبر فيه الثنائيّ الشيعيّ فاعليّةَ أدوات السيطرة من جهة، ويختبر فيه خصومُه بقيّةَ أوراق الحرّيّة من جهةٍ ثانية.في السّياق الراهن، تصبح صناديق الاقتراع جبهةً موازية للجبهة العسكريّة: تسعى إسرائيل إلى تصوير الجنوب مساحةً غيرَ قابلةٍ للحياة السياسيّة، بينما يريد الثنائيّ إثباتَ العكس – ولكن تحت مظلّته – في حين تُغامر القوى البديلة بطرح قولٍ ثالث: الجنوبُ صالحٌ للحياة والسّياسة معًا، شرطَ تحريرهما من معادلة السلاح والإقصاء.

وما يزيد المشهدَ توتّرًا أنّ عشراتِ آلافِ الجنوبيّين لا يزالون خارج قراهم المدمَّرة أو المهدَّدة، غالبيّتهم في بيروت أو في عمق جبل عامل.هؤلاء يشكّلون كتلةً ناخبةً وازنة، لكنّ عودتهم ليومٍ واحدٍ محفوفةٌ بأسئلةٍ لوجستيّة وأمنيّة: كيف تُوفَّر مواصلاتٌ منظَّمة وآمنة إلى مراكز الاقتراع؟ مَن يضمن عدمَ استهداف الحشود في الطرق المؤدّية؟ وإذا قُصفت قريةٌ ما، هل تُعلَّق الانتخابات أم يُنقل الصندوق إلى مكانٍ آخر؟ حتى الآن، تعوّل السلطة على "خطط انتقال مُيسَّرة" يؤمّنها الجيشُ والقوى الأمنيّة، إلّا أنّ التجارب السّابقة تُثبت أنّ الخطط المكتوبة لا تصمد طويلًا أمام "المفاجآت" الإسرائيليّة الميدانيّة.

 

قدرةُ الدولة على فرض سلطتها

غدا ستُختبَر قدرةُ الدولة على فرض سلطتها، كما ستُختبَر قدرةُ "الدويلة" على ضبط قواعدها التنظيميّة تحت ضغط التصويت العلنيّ، فإن نجحت الانتخاباتُ بهامشٍ تنافسيّ ولو ضئيل، سيُكتب للجنوب فصلٌ جديد يؤسّس لإحياء السّياسة، وربّما المحاسبة، في زمن ما بعد النكبة.

أمّا إذا فشلت أو شابها عنفٌ أو خروقٌ جسيمة، فسيُعاد تأجيلُ الاستحقاق الحقيقيّ، أي إعادة الإعمار وتمكين النازحين من العودة، إلى أجنداتٍ إقليميّة تُدار في غرفٍ مقفلة، ويُختزل الجنوب مرّةً أخرى إلى ساحةِ رسائلَ بالنار.

إنّ المأزق الجنوبيّ اليوم لا يقتصر على معركة صناديقٍ تطول أو تقصر، بل يطال معنى الوجود نفسه في منطقةٍ دفعت ثمنًا باهظًا لتبقى على الخريطة، لذلك تصبح الانتخاباتُ البلديّة فرصةً نادرة لإعادة تعريف السلطة المحلّيّة بوصفها إدارةً تشاركيّة لا امتدادًا آليًّا لأجهزة حزبيّة أو خطاباتٍ أمنيّة، أما الخيار بين التزكية وجرأة التنافس هو، في جوهره، خيارٌ بين استئناف الحياة أو البقاء على هامش الموت البطيء.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment