bah اعتقلوهن بجرم الغناء - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

اعتقلوهن بجرم الغناء

05/24/2025 - 15:09 PM

Bt adv

 

 

عادل صوما

 

كل ما ورد في الأدبيات الإبراهيمية مقتبس عن سرديات وأعراف وتصورات وقوانين سابقة تناسب عصورها وبيئتها. لم تأت تلك الأدبيات بجديد، بل الجديد أتى في العصور اللاحقة، ليناسب ما يستجد، ومنه على سبيل المثال اختلاف وتطور أساليب السرقة تماماً منذ زمن إبراهيم حتى عصر الذكاء الاصطناعي.

قوى ناعمة

كانت الأدبيات الإبراهيمية في زمانها تُعتبر قِوَى ناعمة لحكم الشعوب. حشد معتنقوها الناس ليحاربوا بالسيف، أو لإقامة التحالفات مع الأباطرة، واليوم اختلف مفهوم القوة الناعمة تمامًا أيضًا.

فالغناء يعتبر من القِوَى الناعمة في عالم اليوم، ويؤثر المغنيين في الاقتصاد وتشكيل الذوق العام وانتشار اسم دولة ما حتى في السياسة، فكثير من السياسيين اليوم يحاولون استرضاء الفنانين بشكل عام، مثل حسين أوباما صديق فناني هوليوود.

وفي الانتخابات الأميركية الأخيرة صوّت المعجبون بتيلور سويفت وعددهم ملايين في الولايات المتحدة لصالح كمالا هاريس في محاولة للتفوق على عدد منتخبي دونالد ترمب.

عقارب الساعة

النظام الغيبي في إيران لا يعترف بحركة عقارب الساعة أو بتغيّر العصور أو القوى الناعمة المستحدثة، ويتعامى عن عدم ملائمة مفرداته وتصوراته مع عالم تلقيح البويضة خارج الرحم، وتخليق مواليد بمواصفات معينة في المختبر، وإعطاء عمر أطول لمرضى صمامات القلب، وما زال كهنة الحوزات يرقعون موروثاتهم أمام المستجدات، ويعتقدون أن "المرأة عورة"، وهو قول مأثور كان صالحاً في زمن خروج الناس لقضاء حاجتهم في العراء، تبنته المجتمعات حينذاك ثم وضعته على رفوف التاريخ، بعدما اختُرعت أمور تحفظ خصوصية الانسان وتصون جسده بعيداً عن المتطفلين.

"المرأة عورة" ما زالت مقولة صالحة عند الذين يحكمون الناس بالاستثمار في جهلهم، ويجعلوهم يبجلون الترديد ويخافون من التفكير ويتمنون عودة الماضي ويتوجسون المستقبل.

وسائل ارتزاق

يرى كهنة الحوزات والأضرحة أن كل ما في المرأة يشجع الناس على الضلال، رغم أن مصائب إنسانية أخرى كثيرة جداً لا تحدث بسبب المرأة العورة، فالإبادة العرقية والقتل تقربا من الله، أبشع الأمثلة على براءة المرأة من جرائم وضلالات كثيرة.

النظام الغيبي في إيران لا يعترف بمفاهيم ووقائع عالم اليوم. وبالنسبة للمرأة، يتجاهل كهنة المزارات والأضرحة وجود ألوف النساء اللاتي يرتزقن أو يملكن الملايين بسبب جمالهن بعيدا عن الدعارة، ويكفّر نساء يرتزقن بسبب جمال أصواتهن، ولا يشير إلى نساء يرتزقن بسبب ذكائهن أو حتى حنكتهن السياسية، ومنهن في عصرنا غولدا مايير التي قادت إسرائيل وهزمت عبد الناصر سنة 1967!

عين العاصفة

اعتقلت الشرطة الإلهية الإيرانية الفنانة هيفا سيد زاده ( هیوا سیفی زاده بالإيرانية) في 27 فبراير/ شباط خلال مشاركتها بدون شادور في حفل غنائي في طهران، حيث لا يسمح النظام الإيراني القمعي العفيف للنساء بالغناء في الأماكن العامة إلا إذا كان الجمهور من النساء ذوات الشادور فقط.

المتربحون من المزارات والأضرحة والكذب على الناس يريدون امتلاك قنبلة ذرية لقتل وتهديد الملايين، لكنهم لا يمنحون تراخيص لإقامة عروض غناء من مغنية لن تهدد أو تميت الناس.

بطش معنوي لا علاقة له بأخلاق أو ايمان، بل له علاقة وثيقة بالتحكم وإحكام السيطرة على المجتمع وإشاعة الرعب فيه.

كل شخص يجب أن يكون بلحية، وكل امرأة تهمس من خلف شادرو، والجميع يرفعون للملأ الأعلى أية مخالفات تخص الحرية الإنسانية فقط.

سيبرانيات وأنفاق

كثير من الإيرانيات أصبحن يتحدين بطش المتربحين من الطقوس ومماحكات العقائد وترقيع الرث ليناسب العصور، من خلال تقاسم فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهرن فيها وهن يغنين أو ينظمن حفلات موسيقية أحيانا تحت سطح الأرض.

الإيرانيات أصبحن أكثر جرأة منذ احتجاجات سنة 2022 وقمن بتنظيم حفلات موسيقية فوق الأرض، رغم قمع سلاطين الأضرحة، وقوبلت هذه الجرأة باعتقال مطربات وحاضرين بتهمة ترويج محتويات مخالفة للأخلاق والعادات الحقيقية.

هیوا سیفی زاده واحدة من بين الفنانات اللواتي اللاتي تعرضن للاعتقال، والاستجواب بواسطة شرطة الغيبيات، ناهيك عن تعرض حسابات مغنيات إيرانيات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى القرصنة من قبل شرطة جرائم الإنترنت، التي لا تشمل تبييض الأموال أو تجارة الكبتاغون أو تسهيل زنا زواج المتعة، بل تركز على غناء المرأة، وتطارد غير المتشودرات، وتقوم شرطة الغيبيات بالاستحواذ على الأغاني أو حذفها، كما تقول جوستين وهي مغنية راب إيرانية هربت من دار سلام المزارات والأضرحة وتعيش في دار حرب.

خطأ مكرر

المثير أنه بعد أكثر من خمس وأربعين سنة على بدء مصائب نظام المتربحين من تجارة الموت ومواسم المزارات وزيارة الأضرحة، أعطى دونالد ترمب الشرعية لمتخرج في مدارسهم بلقائه مع أبو محمد الجولاني، والتمني عليه قيادة سورية للاستقرار والرخاء.

قال ترامب لمن حوله عن الجولاني: عظيم.. قوي.. ذكي.. مقاتل. الخطأ نفسه وقع فيه رؤساء أميركيون سابقون مع كاسترو وعبد الناصر والقذافي والخميني وطالبان، جاءت أميركا بهم للحكم وأعطتهم الشرعية فانقلبوا عليها.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment