بيروت – منى حسن – بيروت تايمز
مع انتهاء الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب، وبدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية المقبلة، برز موقف الاغتراب اللبناني كعامل سياسي مؤثّر في رسم ملامح المرحلة القادمة. فقد كشفت مصادر اغترابية فاعلة لـ"بيروت تايمز" أنّ "أكثرية المغتربين اللبنانيين يؤمنون أنّ نهوض الدولة لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال تنفيذ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خطاب قسمه، والتزام رئيس الحكومة نواف سلام ببيان حكومته الإصلاحي".
تراجع الثقة بالمجتمع المدني
هذا التحوّل في خطاب الاغتراب يعكس خيبة أمل عميقة من التجربة التي خاضها المغتربون في دعم قوى "المجتمع المدني" منذ انتفاضة 17 تشرين، لا سيما في الانتخابات النيابية عام 2022. فعلى الرغم من أن شريحة واسعة من اللبنانيين المنتشرين في العالم، خصوصًا في أوروبا والخليج وأميركا الشمالية، شاركوا بكثافة دعماً للتغيير، فإن الحصيلة البرلمانية، بحسب ما تفيد به مصادر الاغتراب، "لم ترقَ إلى طموحات الناس، لا تشريعيًا ولا رقابيًا، بل تحوّلت القوى التغييرية إلى مجموعات منقسمة، غارقة في الخطاب الشعبوي دون إنجازات تُذكر".
وتضيف المصادر: "نحن، كمغتربين، تابعنا عمل النواب التغييريين داخل اللجان البرلمانية وخلال الجلسات العامة، ولم نرَ أداءً يتناسب مع حجم الثقة التي أُعطيت لهم من الخارج". وتلفت إلى أنّ المغتربين "لن يعيدوا الكرّة في الانتخابات المقبلة، لأنهم يدركون أن الرهان الحقيقي اليوم هو على الدولة ومؤسساتها، وليس على مغامرات لا تملك مشروعًا وطنيًا متكاملاً".
الاغتراب: صانع التغيير المقبل؟
في هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور الحيوي المنتظر للمغتربين اللبنانيين في الانتخابات النيابية المقبلة. فبعد مشاركتهم الواسعة في انتخابات 2022، يُتوقّع أن يُشكّلوا مجددًا عنصرًا حاسمًا في رسم نتائج الاستحقاق المنتظر، لا سيما في ظل تبدّل أولوياتهم السياسية.
مصادر اغترابية فاعلة أكدت لـ"بيروت تايمز" أنّ المزاج العام في الاغتراب بات ينحو بوضوح نحو دعم القوى التي تُمثل مشروع الدولة، وتلتزم بخطاب سيادي إصلاحي، بعيدًا عن الشعارات الشعبوية والمواجهات العقيمة.
ويُراهن هؤلاء على ترجمة خطاب القسم الذي أعلنه الرئيس العماد جوزاف عون إلى خطوات تنفيذية فعلية، بالتوازي مع التزام حكومة نواف سلام بمسار إصلاحي جدي. كما يُنتظر أن يكون تصويت الاغتراب عاملاً مرجّحًا في الدوائر الحساسة، خصوصًا مع نية "تيار المستقبل" العودة إلى السباق السياسي.
وبذلك، فإن المغتربين، الذين طالما عُوّل على دعمهم المالي والمعنوي، قد يتحوّلون في انتخابات 2026 إلى قوة ناخبة قادرة على قلب المعادلات، ليس فقط عبر الأصوات، بل عبر تحديد وجهة البلاد المقبلة بين منطق الدولة ومنطق الفوضى.
عودة الحريري: استعادة التوازن السنّي في الداخل والاغتراب
من جهة أخرى، تُظهر أوساط واسعة في الجاليات اللبنانية في الاغتراب حماسةً واضحة لعودة الرئيس سعد الحريري إلى الحياة السياسية. وتكشف مصادر قريبة من تيار "المستقبل" في واشنطن لـ"بيروت تايمز" أنّ الحريري لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في أوساط المغتربين، ولا سيما في دول الخليج، حيث يُنظر إليه كرمز للاعتدال والانفتاح، ولشخصية تُمثّل "الحريرية السياسية" التي ارتبط بها مفهوم الدولة بعد الطائف.
وتقول المصادر إنّ "الفراغ الذي خلّفه انسحاب الحريري من الحياة السياسية لم يتمكّن أحد من ملئه، لا في الداخل ولا في الاغتراب. واليوم، عودته ستعيد ضبط التوازن الوطني والتمثيلي، وخصوصًا على الساحة السنّية التي افتقدت القيادة".
رهان الاغتراب: الشرعية والاستقرار
في موازاة هذا التوجّه، تؤكد شخصيات اغترابية بارزة أنّ المزاج العام بات ميّالًا لدعم الدولة من خلال المؤسسات الشرعية، وليس من خلال حركات عشوائية أو قوى خارج السياق الدستوري. وتقول شخصية اغترابية من كندا لـ"بيروت تايمز":
"نحن لا نريد ثورات فاشلة جديدة، بل نريد تطبيق خطاب القسم، واستمرار حكومة إصلاحية يرأسها نواف سلام، تؤمّن بيئة دولية داعمة لاستقرار لبنان".
سؤال المرحلة: هل يصنع المغتربون الفارق في 2026؟
يخلص المشهد إلى أنّ الاغتراب اللبناني يتحرّك اليوم من موقع الفعل السياسي لا مجرد التضامن، وهو في طور إعادة تموضع واضح بين خيارين: الدولة أو الفوضى. وفي ظل تراجع زخم التغيير، وصعود خطاب الإصلاح المؤسساتي، يبدو أن بوصلته بدأت تتّجه من جديد نحو بيت الطائف و"الحريرية"، من دون أن تُغفل أهمية الحوكمة، ومكافحة الفساد، وتحقيق الاستقرار.
فهل تكون أصوات الاغتراب هذه المرّة هي "بيضة القبّان" في رسم توازنات المجلس النيابي المقبل؟
وما حجم تأثيرها إذا ما اقترنت بعودة الحريري واستمرار عون وسلام في تثبيت الدولة ومؤسساتها؟.
Comments