بقلم: ألفة السلامي
ظهور وزير الآثار الأسبق زاهي حواس في برنامج حواري مصري مساء الثلاثاء للدفاع عن نفسه ربما كان مطلوبًا، بل ويراه البعض ضروريا بعد تعرضه لهجوم من جو روغان مذيع البودكاست الأمريكي الشهير، وما ناله من انتقادات أيضا من متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. حواس تساءل في غضب كيف لهذا المذيع ألا يقرأ كتابه قبل استضافته، في إشارة إلى كتابه "الجيزة والأهرامات"، وهو دراسة من ألف صفحة شارك في كتابتها عالم الآثار الأمريكي مارك لينر.
وأكد حواس أنه "الكتاب الوحيد في العالم الذي كُتب عن آثار الجيزة بمهارة فائقة"، مستنكرا مجددا كيف لم يقرأه روغان. كما ردّ حواس على الانتقادات الموجهة لمقابلته، متسائلا لماذا قد تغضبه ثقته بنفسه، مؤكدا أن عقودًا طويلة من الأبحاث أثبتت بشكل قاطع كيفية بناء الأهرامات، وهو الموضوع الذي لا يزال يحير العديد من علماء الآثار.
ولعل ما أثار انتقادات بعض المشاهدين خلال مقابلة روغان أن حواس لم يُقدّم إجاباتٍ مُفصّلةٍ على بعض أسئلة روغان الأكثر تقنيةً، لا سيما تلك المتعلقة بتقنيات البناء. والحقيقة ان حواس لم يقدم إجابات ليس لأنه لا يعرف -الجميع يعلمون أنه يعرف-بل لأنه يرفض الخوض في افتراضات تنزله من كرسي العالم لتضعه في موقع المشعوذ! ومن الجانب الإعلامي فإن ما توقفت عنده هي توقعات حواس المحتملة لسير الحوار حول آثار مصر القديمة واستعداده ليبهر الجمهور بما لديه من معلومات كعادته؛ لكن تلك التوقعات لم تتحقق مما أوقعه في مطبّ لم يستطع الإفلات منه، حيث كان المذيع مصمما على ألا يخرج عن المساحة التي أرادها.
كما أن تكنيك الحوار الذي اتبعه روغان خلال المقابلة كان أقرب لأسلوب الاستجواب، ونسميها أحيانا "مصيدة" الاستجواب، والتي تضع الضيف في موقف الدفاع عن نفسه وعلمه ومعارفه وكأنه يبدأ قصته من عكس قناعاته، أي من الصفر، وهي مصيدة مستفزة للضيف طالما اتبعتها محطات تلفزيونية عريقة واشتهر من خلالها محاورون، خاصة في البرامج السياسية. وهنا قد يتحول الضيف إلى عدوّ تتم شيطنته، وبالتالي قد يحتاج الأمر أن يكون هادئا ويحافظ على ثباته وقدرته على تلقي الأسئلة المستفزة والمعلومات المضادة لقناعته والرد عليها وإظهار أنها مخادعة ومضللة للمتلقين سواء مستمعين أو مشاهدين.
وقد شعر حواس أنه أمام مذيع يهدف إلى تقويض مصداقيته العلمية والشخصية أيضا. ولعل ما استفز حواس الحديث عن الكائنات الفضائية التي لها علاقة بتفسير بناء الحضارة المصرية القديمة وتصميم روغان على أن يجرّه إلى الجدل حول علم زائف وهذا مضيعة للوقت والجهد وإهدارا للقيم العلمية، خاصة وأن حواس سبق وخاض نقاشاتٍ مطولة دامت ربع قرن مع أشخاصٍ، مثل غراهام هانكوك وروبرت بوفال وجون أنتوني ويست، عندما كانوا يجادلون مدعين بأن الأهرامات وأبو الهول بُنيت قبل 15 ألف عام على يد كائنات خارجية من "أتلانتس". ولذلك حاول حواس أن يتجنب بعنف الخوض في هذه القضية مجددا بإخبار روغان بأنه لا علاقة له بموضوع الكائنات الفضائية وهذه الأطروحات الخرافية.
ولمن لم يطلع على حوار روغان وحواس، من أكثر اللحظات سخونة خلال المقابلة عندما ذكر المذيع دراسة حديثة أجراها الباحثان الإيطاليان فيليبو بيوندي وكورادو مالانجا، والتي استخدمت تقنية التصوير المقطعي، وأشارت إلى وجود آبار وأنفاق وممرات خفية تحت هضبة الجيزة. وردّ حواس قائلا إن الدراسة "كاذبة تماما"، وإنه، باعتباره ليس خبيرا في الرادار، فقد استشار أفضل خبراء التصوير الذين يعرفهم، موضحا أنهم قد رفضوها بشكل قاطع. ورغم الضجة التي صاحبت إعلان الباحثين الإيطاليين عن نتائج بحثهم في الشهور الماضية، إلا إنها لم تحظ بقبول من طرف غالبية المجتمع الأثري.
ما زاد من الضجة التي أحاطت بالمقابلة قول جو روغان إنه استضاف أكثر من 1800 شخص في برنامجه منذ بدء بثه عام 2009، مدعيا أن حواره مع حواس كان الأسوأ في تاريخه. وفي تقديري، تعكس هذه التصريحات أن روغان خرج من الحلقة بعدوّ وشهرة مضاعفة، وكان سعيدا بالعدوّ وراض بما جلب له من شهرة إضافية.
ولم يكتف روغان بأن يكون رقم واحد في محرك البحث جوجل لعدة أيام بل حاول إطالة هذا التداول بالتطاول على حواس في حلقة جديدة عندما استضاف نجم كرة القدم آرون رودجرز الذي طرح سؤالاً عن الدكتور حواس. وأجاب روغان بأنه كان أسوأ بودكاست قدمه على الإطلاق، معتبرا أن الوجه الإيجابي في المقابلة هو أنه كشف عن "هذا الرجل ضيق الأفق الذي كان مسؤولاً عن حراسة كل المعرفة عن مصر"، على حد تعبيره.
وهنا السؤال الذي يهمنا: هل كان الدكتور زاهي حواس محقا في رفضه الإجابة عن أسئلة روغان، خاصة عندما سأله عن تلك الهياكل المزعومة تحت الهرم. الإجابة حسب قناعتي، هي أن ادعاءات روغان "هراء"، مثلما وصفها حواس بالضبط، خاصة وأنه باعتباره عالم مصريات رفض الخوض في تلك الموضوعات منذ فترة طويلة باعتبارها علمًا زائفًا. لكنّ العدوانية رد فعل مرفوض ولابد أن تكون مصاغة في شكل حجج علمية قوية، خاصة أنه يعلم كمّ الادعاءات المضللة التي تعلو إلى سطح بعض وسائل الإعلام الغربية وقد كانت سمة ممتدة طيلة عدة قرون ماضية وألف بعض الأثريين والرحّالة حولها كتبا مثيرة، من ذلك محاولاتهم التشكيك في حقيقة أن بناة الأهرام مصريين.
أخيرا، أدركُ مدى الغضب الذي ينتاب عالما عندما يتحدث مذيع عن خرافات، ولنا أن نتخيل عالما فيزيائيا اليوم يواجه سؤالا من مذيع يشكك في كروية الأرض أو في قانون الجاذبية، وهو الموقف الأقرب عندما نضع الحلقة في إطارها الصحيح، وخاصة السؤال عن الكائنات الفضائية التي شيدت الأهرامات!
Comments