bah عهد الرئيس جوزاف عون: ولادة الدولة من تحت الركام وبداية تفكيك جمهورية النفوذ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

عهد الرئيس جوزاف عون: ولادة الدولة من تحت الركام وبداية تفكيك جمهورية النفوذ

05/28/2025 - 19:59 PM

Atlas New

 

 

 

الاعلامي كريم حداد
 
 
في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان، تتقاطع فيها تحولات الداخل مع تطورات الخارج، يتقدّم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بخطاب وطني واضح المعالم، يقوم على قاعدة واحدة: استعادة الدولة اللبنانية لدورها، وسلطتها، وقرارها السيادي، دون ازدواج ولا شراكة مع السلاح غير الشرعي.
 
ليس الرجل ابن التسويات الهشة ولا العناوين الطنانة. أتى إلى قصر بعبدا على وقع العدوان الإسرائيلي، وانهيار المنظومة، وانكشاف الدولة. لكنه اختار من اليوم الأول أن يكون رئيسًا لمشروع الدولة، لا لطرف فيها، وأن يُفعّل حضور المؤسسات من بوابة الشرعية الدستورية، لا من منابر الاستقواء.
 
الجنوب أولًا: الجيش يتقدّم
 
من أبرز مؤشرات المرحلة الحالية، أن الجيش اللبناني، بقيادة الرئيس عون، انتشر جنوب نهر الليطاني بقرار سياسي وغطاء دولي، وبتنسيق مباشر مع قوات “اليونيفيل”، تنفيذًا للقرار 1701. في المقابل، بدأ حزب الله عمليًا بانسحاب تدريجي من المنشآت العسكرية، وتسليمها للجيش، كما أفادت مصادر الأمم المتحدة.
 
هذا التحول ليس تفصيلًا. إنه بداية فكّ الارتباط الميداني بين الجنوب وسلاح الحزب، وعودة المنطقة الحدودية إلى سلطة الدولة الفعلية. لكنه أيضًا تمهيد ضروري لمعالجة جوهر الأزمة: استمرار وجود ترسانة عسكرية خارجة عن المؤسسات، بحجة الاحتلال الجزئي للتلال الخمس، في وقت تؤكد الدولة التزامها الكامل بالقرار الدولي، وتطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب.
 
حزب الله: بداية تحوّل أم مناورة؟
 
من المواقف اللافتة أن حزب الله، عبر النائب محمد رعد، أبدى في لقائه مع الرئيس عون، انفتاحًا على الحوار الوطني، وأكد أن مساحة التفاهم معه “واسعة”، وأن الأولوية هي لحفظ السيادة، وإنهاء الاحتلال، وتحريك المؤسسات. لكن التحدي الأكبر لا يزال قائمًا: هل يستعد الحزب فعلًا لتسليم سلاحه تدريجيًا للدولة، كما حدث في المخيمات الفلسطينية؟ أم أن ما يجري هو مجرد إعادة تموضع تكتيكي في لحظة إقليمية معقّدة؟
 
الجواب لا يزال معلقًا، لكن ثقة الرئيس بالمؤسسات، لا بالمساومات، ستشكل ميزان التحوّل.
 
المخيمات الفلسطينية: تفكيك المربعات الأمنية
 
في موازاة الجنوب، جاءت خطوة تفكيك المعسكرات الفلسطينية المسلحة في الشمال والجبل والجنوب، وتحديد موعد بدء تسليم السلاح في مخيمات بيروت في شهر حزيران ، نتيجة اتفاق مباشر مع الرئيس محمود عباس، لتؤشر على انطلاق مشروع شامل لحصرية السلاح بيد الدولة. هذه الخطوة ما كانت لتتم لولا التغطية الرئاسية، والقرار الحازم بأن لا سلاح على الأرض اللبنانية خارج مؤسساتها، فلسطينيًا كان أم غيره.
 
النزوح السوري: عودة القرار إلى بيروت
 
في ملف النازحين السوريين، يطرح الرئيس عون مقاربة سيادية وإنسانية متكاملة: عودة النازحين بعد زوال الأسباب التي أدت إلى نزوحهم، وضرورة أن يتم دعمهم في سوريا لا في لبنان. وفي هذا الإطار، رحّب الرئيس بالقرار الأميركي برفع بعض العقوبات عن دمشق، بما يسهم في تحريك الاقتصاد السوري، وبالتالي تسهيل العودة. هذا الطرح يشكل قطعًا مع وصاية “المنظمات الدولية” التي باتت تقرر من يعود ومن يبقى، بعيدًا عن قرار الدولة اللبنانية.
 
ما بعد شباط 2025: بداية اختبار السيادة
 
مع انقضاء المهلة المحددة في 18 شباط 2025، التي شكّلت نهاية التمديد التقني للاتفاق الثلاثي بين لبنان وفرنسا والولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، دخل لبنان عمليًا في مرحلة جديدة من اختبار الإرادة السيادية.
 
فرغم التزام الدولة اللبنانية الكامل بتطبيق القرار 1701، وانتشار الجيش في جنوب الليطاني وتنسيقه المتقدم مع قوات “اليونيفيل”، لم تُقابل إسرائيل هذا الالتزام بالمثل. فالتلال الخمس لا تزال تحت الاحتلال، والخروقات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية مستمرة، في انتهاك صارخ لروح القرار ومندرجاته.
 
لكن ما تغيّر بعد شباط، هو أن لبنان الرسمي، بقيادة الرئيس العماد جوزاف عون، لم يعد يكتفي بالمناشدة أو تسجيل الاعتراض. بل بدأ يتقدّم في المشهد الإقليمي والدولي كموقع فاعل، يطالب صراحة بتنفيذ القرار بكامل بنوده، ويستخدم ما راكمه من صدقية سياسية وميدانية لتثبيت حقه، لا عبر السلاح الموازي، بل من خلال الدولة ومؤسساتها.
 
إنها مرحلة عنوانها الحسم السياسي لا الغموض، وتثبيت قواعد اشتباك جديدة عنوانها: لا سلام بلا سيادة، ولا تهدئة بلا انسحاب كامل.
 
من الشرعية المعلّقة إلى الجمهورية الواضحة
 
إن أبرز ما يميز عهد الرئيس العماد جوزاف عون، حتى الآن، هو وضوح الخيارات الوطنية: لا ازدواج في القرار، لا تفويض خارج المؤسسات، ولا شراكة في السيادة. واللبنانيون الذين خاب أملهم مرارًا، أمام طبقة مترددة، يستعيدون الأمل برئيس يعرف أن الجمهورية لا تُبنى بالشعارات بل بالقرارات، وأن السيادة لا تُستعاد بانتظار التسويات، بل بالمبادرات الهادئة والجريئة.
 
لبنان يقف اليوم عند تقاطع حاسم: إما تثبيت الدولة، وإما العودة إلى منطق الدويلة. وعهد جوزاف عون، كما يبدو، اختار الطريق الأصعب: طريق الدولة الواحدة، بجيشها، وحدودها، وسلاحها الشرعي فقط.
 
 
 
 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment