bah أزمة وطن بلا حلول: حينما يُفرَض الظلم على الفقراء! - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أزمة وطن بلا حلول: حينما يُفرَض الظلم على الفقراء!

05/31/2025 - 14:19 PM

Atlas New

 

 

 

بقلم: لبنى عويضة...

 

في مشهدٍ يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد، قرّرت الحكومة رفع رواتب العسكريين. خطوة أثارت جدلاً واسعاً، ليس لأن زيادة الرواتب أمر خاطئ، بل لأن تمويلها جاء على حساب المواطن البسيط وذوي الدخل المحدود، الذين بالكاد يتدبّرون أمرهم لتأمين قوت يومهم، وذلك من خلال رفع أسعار المحروقات بشكل كبير، ما شكّل صدمة وعبئاً ثقيلاً يُضاف إلى سلسلة الضرائب التي لا طائل منها سوى أنها تصبّ في مصلحة الأغنياء.

ليس من المنطق، ولا من العدالة، أن يتحمّل الجميع — وتحديداً الفقراء — عبء تمويل زيادة رواتب شريحة محددة، بالرغم من أحقية العسكريين بها. إلا أن أسعار النفط عالمياً تشهد انخفاضاً، فما بالنا بأسعار المحروقات في لبنان التي ارتفعت بشكل غير مبرر؟

أما التبرير الحكومي، الذي يدّعي أن الأسعار لا تزال أدنى من مستويات سابقة، وأن الزيادة تهدف لتأمين إيرادات إضافية لتمويل منح العسكريين، فهو مجرد ذريعة واهية لتبرير ظلم جديد يُلقى بثقله على كاهل المواطن، وحتى على العسكري نفسه، الذي سيتكبد أيضاً تكلفة ارتفاع أسعار المحروقات.

الحكومة تغضّ الطرف عن هوامش الربح الضخمة التي يحققها التجار، الذين لم يخفضوا الأسعار عندما تراجعت أسعار النفط عالمياً، ما يجعل من رفع الأسعار اليوم قراراً مرفوضاً وظالماً بكل المقاييس. كان الأجدر بالحكومة أن تضبط الأسواق أولاً، لا أن تُلقي باللائمة على المواطن. فهذا القرار يعرّي غياب المسؤولية والعدالة في إدارة شؤون البلد، ويثبت مرة جديدة أن مصلحة المواطن هي آخر ما يشغل بال هذه السلطة التي علّق عليها اللبنانيون بعض الآمال.

والمؤلم أكثر أن المواطن، رغم كل هذه الزيادات غير العادلة، لم يُبدِ أي تحرك احتجاجي أو اعتراض واضح. صمتٌ مخيف يرافق هذه السياسات الجائرة، وكأن الناس قد استسلموا تماماً أو أن الإحباط بلغ ذروته.

المواطن اليوم يعيش حالة من الانكسار واليأس؛ ارتفاع الأسعار يلتهم مداخيله الضئيلة، وأعباؤه اليومية تزداد بشكل لا يُحتمل، ومع ذلك يجد نفسه بلا خيار سوى الصمت والتأقلم مع واقع مرير.

الحل الحقيقي لا يكون عبر إرغام الفقير على دفع المزيد مقابل حقه في التنقل والعمل والعيش الكريم، بل عبر فرض ضرائب تصاعدية عادلة على أصحاب الثروات الكبرى، والمضاربين، والمحتكرين. أما رفع أسعار المحروقات، فهو يعني تلقائياً رفع كلفة النقل والسلع والخدمات، ما يفاقم من معاناة المواطن العادي، ويدخل لبنان في دوّامة جديدة من الغلاء والتردّي المعيشي.

إنّ هذه السياسات لا تعكس سوى غياب الإرادة السياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي شكل من أشكال الظلم الممنهج الذي يزيد من أزمات اللبنانيين ويهدّد استقرارهم.

المواطن ينتظر حكومة تحميه لا تزيد عليه الأعباء، ينتظر حلولاً حقيقية لا أعذاراً واهية، ينتظر رقابة فعلية على التجار والأسعار التي ترتفع يومياً بلا حسيب أو رقيب… وينتظر سلطة تضرب بيدٍ من حديد لا أن تقف متفرّجة.

لذا، على الحكومة أن تعيد النظر فوراً في هذه السياسة الجائرة، وأن تتحمّل مسؤولياتها أمام شعب يئنّ تحت وطأة الفقر والغلاء، وأن تضع مصلحة المواطن في صلب أولوياتها، لا مصالح فئة على حساب الجميع.

 

 

نشر في جريدة الرقيب الالكترونية

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment