bah الغارات الواسعة على لبنان: أكثر من هدف ودلالة ورسالة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الغارات الواسعة على لبنان: أكثر من هدف ودلالة ورسالة

06/06/2025 - 18:53 PM

Atlas New

 

 

بقلم: راسم عبيدات

 

منذ الإنجازات الكبرى التي استطاع نتنياهو، بشراكة أميركية، تحقيقها عبر إخراج سوريا كليًا من محور المقاومة، وفرض معادلات ردعية جديدة على النظام هناك، تقوم على حق إسرائيل في استباحة السيادة السورية برّاً وجوّاً وبحراً، والقيام بعمليات القصف والتدمير متى شاءت، وفق ذرائع "التهديدات الأمنية"، بدأت هذه المعادلة تُنقل تدريجاً إلى لبنان.

وقبل ذلك، في عهد النظام السوري السابق، فرضت إسرائيل معادلة ردعية عنوانها "معركة بين حربين"، تتيح لها القصف من دون ردّ. هذه المعادلة نفسها باتت تُطبق على الساحة اللبنانية، حيث استطاعت إسرائيل توجيه ضربات مؤلمة لحزب الله، طالت بنيته وبيئته وحاضنته الشعبية، وبلغت حدّ تهديد أمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي تعتبره إسرائيل "العنوان والمحور".

القرار 1701: بين النص الأميركي والتطبيق الإسرائيلي

أميركا التي صوّرت نفسها ضامناً لاتفاق وافقت عليه الدولة اللبنانية برئاساتها الثلاث، كما وافقت عليه المقاومة، صاغت القرار الدولي رقم 1701 وفق رؤيتها، وأنشأت لجنة خماسية للإشراف على تنفيذه، أربعة ونصف من أعضائها يصبّون في مصلحة إسرائيل.

وبحسب هذه الرؤية، لا يمكن وقف إطلاق النار وتطبيق القرار إلا بنزع سلاح حزب الله في عموم لبنان، لا فقط في الجنوب. ولهذا السبب، عملت أميركا على تمديد الاتفاق حتى 18 شباط 2025، وشرعنت لاحقًا احتلال إسرائيل لخمسة تلال استراتيجية لبنانية.

وبينما استمرت إسرائيل في خرق الأراضي اللبنانية بغطاء أميركي، قابلتها مواقف لبنانية رسمية "مائعة" و"مرخية"، راهنت على الضغط الدبلوماسي، رغم إدراكها أن هذا الرِّهان ليس سوى "حلم إبليس في الجنة".

حزب الله بين المراجعة الداخلية وقبول المعادلة الردعية

في المقابل، بعد تلقيه ضربات مؤلمة، ذهب حزب الله نحو ترميم أوضاعه الداخلية، وإجراء مراجعة شاملة للاختراقات الأمنية التي أدّت إلى اغتيال عدد من قياداته، من الصفين الأول والثاني، وحتى تهديد أمينه العام وأمينه العام المساعد هاشم صفي الدين.

لكن هذه المراجعة لم تُترجم بردّ مباشر أو فعلي على استمرار الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية. الحزب سلّم، هو الآخر، بأن مسؤولية حماية السيادة اللبنانية وتأمين انسحاب إسرائيل وإعادة الإعمار، تقع على الدولة والجيش، ما يعني عملياً القبول الضمني بالمعادلة الردعية التي كانت سائدة في سوريا، وتوسعت الآن في لبنان: "معركة بين حربين".

وهكذا، أصبح الفشل اللبناني مزدوجاً: فشل في الخيار الدبلوماسي، وفشل في الخيار الردعي، الذي بات مقيّداً بعوامل داخلية وإقليمية ودولية.

غارات الضاحية: رسائل ما بعد زيارة عراقجي

الغارات الأوسع التي استهدفت الضاحية الجنوبية، وتحديدًا مناطق حارة حريك وبرج البراجنة، حملت رسائل واضحة. فإسرائيل لم تلتفت إلى التوسلات الحكومية، ولا إلى لجنة الإشراف التي كشفت على البنايات التي تزعم إسرائيل أنها تحتوي على مصانع مسيّرات لحزب الله. بل قامت بقصفها متجاهلة كلياً الموقف اللبناني.

جاء القصف في ليلة العيد، وَسَط نزوح واسع للمواطنين وازدحام شديد في الطرقات، في وقت لم يكن الجنوبيون قد استكملوا عودتهم إلى منازلهم. هذا التوقيت لم يكن عبثياً، بل جاء بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت، ولقائه كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم أمين عام حزب الله.

الزيارة التي حسّنت من العِلاقة الفاترة بين لبنان وإيران، التي كانت قد تدهورت بفعل تصريحات نواف سلام ويوسف رجي، ومنع الطائرات المدنية الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت، وعمليات تفتيش استفزازية للدبلوماسيين الإيرانيين، جاءت بنتائج إيجابية، من بينها موافقة إيران على المساهمة في عمليات إعادة الإعمار.

إسرائيل تنزعج... وتردّ بالقصف

إسرائيل عبّرت عن انزعاجها من زيارة عراقجي، وقال وزير حربها يسرائيل كاتس إن المحادثات لم تتطرّق إلى نزع سلاح حزب الله. لذلك، أتت الغارات لا فقط كعمل انتقامي، بل كرسالة مباشرة تقول: "إسرائيل هي البقرة المقدسة... من يقترب منها ينال العقاب". الرسالة موجّهة لكل من يحاول التصدي لمخططات إسرائيل، سواء في لبنان أو غزة. المطلوب أن يكون الثمن هو الحرق والتدمير الممنهج، للبشر والحجر، والبيئة الحاضنة للمقاومة.

الغطاء الأميركي وتضييق الخيارات على لبنان

الغارات تحمل بصمات الضوء الأخضر الأميركي، وهي جزء من ضغوط تمارسها واشنطن على الرئاسة والحكومة اللبنانية، لدفعها إلى القبول بالشروط الأميركية والإسرائيلية: لا إعمار، لا انسحاب إسرائيلي، ولا وقف للعدوان... من دون نزع سلاح حزب الله.

أزمات نتنياهو الداخلية... والحرب كمهرب

هذا العدوان الإسرائيلي الجديد يأتي في وقت يغرق فيه بنيامين نتنياهو في أزمات سياسية داخلية. فملف تجنيد اليهود "الحريديم" يشعل خلافات حادة داخل الحكومة، وتهدد كتلتا "شاس" و"يهدوت هتوراه" بالانسحاب منها، ما قد يؤدي إلى حلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة. كما يواجه نتنياهو ضغوطاً من أهالي الأسرى والمعارضة السياسية لإبرام اتفاق لإطلاق سراحهم، وسط اتهامات بأنه يطيل أمد الحرب لتحقيق مكاسب شخصية.

حرف الأنظار عن غزة... وتثبيت معادلة القمع

غارات الضاحية هدفها أيضاً حرف الأنظار عن المجازر الجارية في غزة، حيث يُستخدم التجويع سلاحاً لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. يريد نتنياهو تبرير استمرار الحرب بوصفها "وجودية"، وأنها تستوجب القتال على جبهات متعددة. وفي الوقت نفسه، يسعى إلى تقويض الزخم الدولي المتصاعد لوقف العدوان، خصوصاً مع الاعتراف المتسارع بدولة فلسطين من دول أوروبية.

الغارات الإسرائيلية على لبنان لم تكن مجرد ردّ عسكري، بل إعلان سياسي وميداني جديد: إسرائيل تُعيد تثبيت معادلاتها الردعية بالقوة، بدعم أميركي، ولبنان الرسمي ما زال عاجزاً عن اختيار طريق ثالث، بين الفشل الدبلوماسي، والشلل الردعي.

 

فلسطين – القدس المحتلة
Quds.45@gmail.com

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment