د. عبد الحفيظ بن عبد الرحيم محبوب *
التصريحات العلنية من كلا الجانبين الأمريكي والإيراني لا تقدم إجابات واضحة، لكن لماذا يبدو ترمب واثقا من اتفاقا في طريقه الى التحقق عبر دبلوماسية الأعمال التي يتبعها بأنها ستنجح، فيما فشل فيه ثمانية رؤساء أميركيين بمن فيهم ترمب في ولايته الأولى.ِ
ولكن لماذا خرج ترمب من الاتفاق النووي بشكل آحادي عام 2018 وفرض عقوبات مشددة، بعدما نال كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف جائزة تشاتام هاوس لدورهما في التوصل إلى اتفاق تاريخي جرى توقيعه بين إيران وست قوى عالمية.
كان خروج ترمب الآحادي مستثمرا أن الاتفاق لم يكن مكتوبا، بسبب أن السعودية كانت غير راضية عن هذا الاتفاق الذي لم يلجم نفوذ إيران الإقليمي لتوسيع امبراطوريتهم التاريخية أيديولوجيا، مستثمرة جنيها ما بين 60 و 100 مليار دولار سنويا عززت دورها في دفع الأموال لحزب الله وبقية مرتزقتها، بسبب أن أمريكا التي احتلت العراق عام 2003 وسلمته للعراق، وأصبح الطريق مفتوحا أمام إيران للهيمنة على المنطقة العربية.
خصوصا وأن ترمب يدرك أن مصالح أمريكا لا يمكن أن تتحقق إلا بالشراكة مع السعودية، مستلهما الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الملك عبد العزيز وروزفلت عام 1945، ويستلهم أيضا مبدأ ايزنهاور في 5 يناير 1957 الذي أرسله إلى الكونغرس يركز على الشراكة مع السعودية في الشرق الأوسط من أجل بقاء هيمنة الولايات المتحدة، واتفاق 2015 لم يحقق للولايات المتحدة الهيمنة بل وجد ترمب أن روسيا استثمرت نفوذ إيران وتغلغلت من خلاله لتهديد الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
لكن لماذا يجرؤ المرشد الأعلى لإيران عندما يلمح لترمب ان تخصيب اليورانيوم نقطة الخلاف الوحيدة بين طهران وواشنطن في 4/6/2025 قائلا سواء خصبت إيران اليورانيوم أم لا فهذا ليس من شأنك من تظن نفسك لتتقدم بهذا الطلب ؟ ونفس النغمة تكررت على أسنة ملالي آخرين، رغم ان إيران أمام 4 خيارات نووية أحلاها مر، وعامل الوقت يعمل ضد إيران، رغم انها عرفت سابقا بقدرتها على توظيفه.
تطلب إيران شحنة أمونيوم صينية لإنتاج 800 صاروخ باليستي رغم أن مسؤول صيني قال إن بلاده مارست دائما رقابة على المواد ذات الاستخدام المزدوج، وهو ما جعل وزارة الخزانة الأمريكية في 29 أبريل 2025 تفرض عقوبات على 6 أشخاص و 6 كيانات مقرها إيران والصين لدورهما في شراء مكونات وقود الصواريخ البالستية بما في ذلك بيركلورات الصوديوم لصالح الحرس الثوري الإيراني، أتى ذلك بعد تفجير في أبريل 2025 في ميناء رجائي ببندر عباس جنوب إيران فقد في هذا الانفجار بعض بيركلورات الصوديوم المستوردة من الصين.
يصف ترمب الرئيس الصيني بانه صارم جدا والاتفاق معه صعب خصوصا وأن لدى الولايات المتحدة مخاوف من تقييد بكين صادرات المعادن النادرة في ظل مقاربات بين بروكسل وبكين للتوافق حول المعادن النادرة، وموسكو مستعدة للانخراط في المفاوضات الإيرانية، وهي لا تريد جارا نوويا، لكنها لن تضغط على طهران.
رغم أن ترمب وبوتين توصلا في مكالمتهما الأخيرة أنهما متفقان على ألا ينبغي لطهران امتلاك أسلحة نووية، هناك تكهنات أن ترمب أعطى أوكرانيا لبوتين مقابل إيران، لكن في الواقع الأمر ليس بهذه البساطة، ومن يتتبع الوضع قبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت روسيا تعارض امتلاك إيران أسلحة نووية، فالحديث عن صفقة أوكرانيا مقابل إيران مستبعدة تماما، لكن يمكن أن تكون هناك وساطة روسية في هذا الملف خصوصا وأن ترمب يفضل التواصل إلى خيارات أفضل من شن عسكري واسع قد لا يمكن التكهن به تعارضه الدول الإقليمية عدا إسرائيل.
كما أن رفع العقوبات الغربية عن إيران ليست في مصلحة الكرملين رغم الشراكة الاستراتيجية بينهما والتي اتضحت في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فموسكو تود بقاء إيران معزولة عن الغرب، وأن تبقى علاقتها الاستراتيجية معها، لأنه في حالة رفع العقوبات عن إيران ستضعف العلاقة بين إيران وروسيا، خصوصا بعدما أصبحت روسيا أكبر مستثمر في إيران خلال السنوات الثلاث الماضية في قطاعات عدة على رأسها قطاع الغاز بنحو 8 مليارات دولار، إضافة إلى دخول كميات من النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية.
فإن إبرام اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة ليس السيناريو الأمثل للكرملين، لكن أيضا الفشل قد يقود إلى سيناريو عسكري أمر خطير ينعكس على أمن روسيا، خصوصا إذا تم زعزعة الأمن في داخل إيران يتسبب في تدفق اللاجئين إلى روسيا.
الخيار الأمثل لروسيا مفاوضات طويلة الأمد، لذلك تهتم كل من إيران والولايات المتحدة الآن بمشاركة روسيا خصوصا في السابق وافقت على حل المسائل الفنية وتسلم الوقود النووي المستهلك من إيران، وهو ما لم يكن المشاركون مستعدون القيام به، وهي الطرف المستعد لتولي تخلص إيران من اليورانيوم الفائض، وتحول روسيا وسيطا يكسر عزلتها الدولية، ولكنها لن تضغط على إيران من أجل إرضاء ترمب، ومع ذلك تعد روسيا طرفا فاعلا مهما في سياق المفاوضات ذات الصلة، وأن وساطتها ستكون مثمرة لإيران وللعملية برمتها.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments