خاص بيروت تايمز
في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، وتكثر فيه التحديات، يبقى الإنسان هو صانع الأثر الأعظم، خاصة حين يلتقي العلم بالإرادة، والمهنة بالرسالة، والوطنية بالفعل.
ضمن سلسلة "عظماء لبنان في العالم" التي تطلقها صحيفة بيروت تايمز الصادرة في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1985، والتي تهدف إلى تكريم شخصيات لبنانية مغتربة تركت بصمات بارزة في مجالات مختلفة، نسلط الضوء في هذه الحلقة على شخصية طبية وإنسانية لامعة: البروفيسور فيليب سالم، أحد أبرز أطباء السرطان في العالم، ورائد في الطب الحديث، وصوت لبناني حر لا يساوم.
تكريم البروفيسور فيليب سالم... تكريم لبنان الذي نطمح إليه
عندما نكرّم الدكتور فيليب سالم، فإننا نكرّم لبنان العالم، المنفتح، الشجاع، النزيه، والمتحدر بعمق في الإنسانية.
فيليب سالم ليس مجرد طبيب لامع أو باحث عالمي، بل هو نموذج حي للإنسان اللبناني حين تُمنح له الحرية، وتُفتح أمامه أبواب الكرامة.
أن نكتب عنه يعني استحضار قصة نجاح استثنائية لم تنفصل لحظة عن الوطن. إنه اللبناني الذي سافر ونجح وتألق، لكنه لم يقطع يومًا حبل السرّة مع بلاده. ظلّ وفيًّا لها، يحمل وجعها في قلبه، وحلمها في عقله، واسمها في كل إنجاز علمي وإنساني حققه.
سخّر علمه، وقلمه، ونجاحه لخدمة الإنسان، ومن موقعه العالمي ظل صوتًا لا يُهادن في الحق، ولا يُساوم في القيم، داعيًا إلى لبنان الحر، العلماني، العادل، القائم على الجدارة لا الطائفة، وعلى الكفاءة لا الولاء.
فيليب سالم أكثر من طبيب وأستاذ جامعي
هو ضمير في زمن الحيرة، وصوت في زمن الصمت، ورسالة في زمن التشويش. في قلبه وطن لا يزال حيًّا رغم الجراح، وطن يضيء ويجدد نفسه، ويؤمن بأبنائه مهما باعدتهم الجغرافيا أو عصفت بهم الأقدار.
حين نكرّم الدكتور سالم، فإننا لا نحتفي بشخصه فقط، بل نُعيد تسليط الضوء على صورة لبنان الجميلة، النبيلة، الممكنة.
نكرّم الفكرة التي تقول: إن الإنسان اللبناني قادر أن يكون عظيمًا حين تُرفع الحواجز من أمامه، ويُمنح حقه في الحلم والحياة بكرامة.
كلمة وفاء
دكتور سالم،
إن وفاءنا لك هو بعض مما يليق بمن رفع اسم بلاده عاليًا في ساحات الطب والعقل والكرامة.
أنت لست فقط منارة علم، بل حالة وطنية أخلاقية وإنسانية نفتخر بها.
في وجه النسيان، كنت الذاكرة.
في زمن الضعف، كنت القوة.
وفي زمن الانقسام، كنت الوحدة، والضمير، والصوت الحر.
نكرّمك اليوم لنقول: أنت جزء من لبنان الذي لن يموت.
النشأة والبدايات
ولد فيليب أديب سالم عام 1941 في بلدة بطرام - قضاء الكورة شمال لبنان. منذ نعومة أظافره، حمل شغفًا بالعلم، ونضجًا وطنيًا مبكرًا تجاه قضايا وطنه. تخرج من كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1965، ثم غادر إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ رحلة تألّق علمية استثنائية.
البروفيسور فيليب سالم ينحدر من عائلة لبنانية بارزة، والده هو أديب سالم، الذي كان كاتب عدل معروفًا في منطقة الكورة شمال لبنان. أما شقيقه إيلي سالم، فقد شغل منصب وزير الخارجية اللبناني ونائب رئيس الحكومة خلال عهد الرئيس أمين الجميل، ولعب دورًا مهمًا في صياغة اتفاق الطائف واتفاقية 17 أيار عام 1983. وكان أيضًا رئيسًا لجامعة البلمند لعقود، ويُعرف بشخصيته الأكاديمية والسياسية المؤثرة، حيث كان له دور بارز في العلاقات اللبنانية-السورية خلال فترة الثمانينات.
الحياة العائلية للبروفيسور فيليب سالم لعبت دورًا مهمًا في تشكيل مسيرته المهنية، حيث تأثر ببيئته العائلية في لبنان قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لمتابعة أبحاثه في مجال السرطان. كان سالم قريبًا جدًا من عائلته، كما أن تجربته الشخصية والعائلية ساهمت في تشكيل فلسفته الطبية، حيث يؤمن بأن الطب يجب أن يكون إنسانيًا، قائمًا على المعرفة والمحبة والأمل، وهي قيم ربما استمدها.
المسيرة العلمية والطبية
تدرّب في أرقى مراكز الأبحاث والعلاج في أمريكا، من بينها:
Memorial Sloan Kettering Cancer Center في نيويورك
MD Anderson Cancer Center في تكساس
تولى لاحقًا إدارة مركز أبحاث الأورام في St. Luke’s Episcopal Hospital، حيث أسّس مركز Salem Oncology Center في مدينة هيوستن، في ولاية تكساس الاميركية، والذي يُعتبر من أبرز المراكز المتخصصة عالميًا في علاج السرطان.
في عام 1971، عاد إلى لبنان ليؤسس قسم للأورام السرطانية في الجامعة الأميركية في بيروت، لكنه اضطر لاحقًا إلى مغادرة البلاد بسبب الحرب الأهلية.
أبحاث وإنجازات بارزة
يؤمن سالم بأن المعرفة وحدها لا تكفي، بل يجب أن ترافقها المحبة والأمل والرعاية الإنسانية.
ألّف كتابًا بعنوان "قهر السرطان – المعرفة لا تكفي"، الذي لاقى صدى واسعًا في الأوساط العلمية.
اختارته الجمعية الأميركية للأبحاث السرطانية (ASCO) لتكريم مسيرته الطبية في مؤتمرها السنوي عام 2024، تقديرًا لإسهاماته في تطوير علاجات السرطان.
نشاطات حديثة
يواصل تقديم محاضرات طبية حول العالم، ويشارك في مؤتمرات علمية لمناقشة أحدث التطورات في علاج السرطان.
يدير مركز سالم للأبحاث الطبية في هيوستن، الذي يركز على تطوير علاجات جديدة وتحسين جودة حياة المرضى.
الريادة في الطب والأبحاث
تميّز البروفيسور سالم بأبحاث أحدثت نقلة نوعية في فهم وعلاج السرطان:
من أوائل العلماء الذين أثبتوا العلاقة بين العدوى المزمنة وبعض أنواع السرطان، لا سيما سرطان الأمعاء.
ابتكر بروتوكول علاج ثلاثي مدمج ICTriplex يجمع بين العلاج الكيميائي، المناعي، والموجّه، محققًا نسب شفاء غير مسبوقة تجاوزت 50% في بعض الأنواع الصعبة.
نشر أكثر من 300 دراسة علمية اعتمدتها الهيئات الطبية الدولية، واستُخدمت نظرياته في تطوير بروتوكولات علاج معتمدة عالميًا.
الجوائز والتكريمات
نال البروفيسور فيليب سالم جوائز وميداليات عديدة، من بينها تكريم رسمي هام من رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، العماد ميشال عون، حيث مُنح وسام الاستحقاق اللبناني المذهّب من الدرجة الأولى، تقديرًا لخدماته الطبية والإنسانية والوطنية. يعكس هذا التكريم الكبير اعتراف الدولة اللبنانية بعطائه العلمي والوطني المتميّز، ويُبرز دوره كنموذج للبنان المضيء، الملتزم بالقيم والكرامة. كما يجسد وفاء الوطن لأبنائه الذين رفعوا اسم لبنان عاليًا في ميادين الطب والبحث والخدمة الإنسانية.
Ellis Island Medal of Honor – 1998
Medal of Freedom من مجلس الشيوخ الأميركي – 1994
كرسي أبحاث باسمه في مستشفى سانت لوك – 2010
محاضرة سنوية باسمه في Mayo Clinic
دكتوراهات فخرية من جامعات أميركية ولبنانية
حاكم الشارقة يشهد محاضرة للدكتور فيليب سالم
شهد حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، محاضرة علمية قدمها الدكتور فيليب سالم، رئيس مركز سالم لعلاج الأورام في الولايات المتحدة، بجامعة الشارقة. تناولت المحاضرة أحدث طرق علاج السرطان التي طورها مركز سالم، وركزت على العلاج المستحدث ICT، وهو علاج متعدد الأنظمة يجمع بين العلاج الكيميائي، المناعي، والموجه. وأكد الدكتور سالم أن الجمع بين العلاج المناعي والكيميائي يتفوق على العلاج الكيميائي وحده في نتائج علاج العديد من أنواع السرطان، مع مراعاة تفصيل العلاج حسب حالة كل مريض.
كرّمت “الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم“ في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميركية، البروفسور فيليب سالم ومنحته “وسام الشجاعة” (Courage Award) نظرًا لتضحياته وشجاعته الموصوفة في عالم السياسة والطبّ ومعالجته الأمراض السرطانية.
حضر الإحتفال النواب اللبنانيّون: نديم الجميل، أديب عبد المسيح وراجي السعد، وأعضاء من لجنة الصداقة الأميركيّة- اللّبنانيّة في الكونغرس الأميركي. كما حضر ممثلون لأكثر من 20 جمعية أميركيّة تهتم بأوضاع لبنان، إضافة إلى ممثلين لتيارات سيادية لبنانية في الولايات المتحدة الأميركيّة، وحشد كبير من الفاعليات السياسية والإجتماعية والجمعيات الطبيّة.
تحدّث النواب اللبنانيون الثلاثة عن فيليب سالم السياسي والطبيب والإنسان وأشادوا بمزاياه وبالقيم التي يتمتّع بها. كما تحدّث رئيس الجامعة اللّبنانيّة الثقافية في العالم نبيه الشرتوني عن دور سالم في عالم الإغتراب ودعمه الدائم للبنان وعن الصلة القوية التي تجمعه بلبنانيي الإغتراب وبكافة الإدارات الأميركية ودعمه الدائم لوطنه الذي يعيش في قلبه وضميره.
المواقف الفكرية والسياسية
إلى جانب إنجازاته الطبية، برز البروفيسور سالم كمفكر حر ومثقف ملتزم:
كان متحدثًا رئيسيًا في مؤتمرات دولية حول أنسنة الطب، العدالة في الرعاية الصحية، وحقوق المرضى.
شغل منصب مستشار صحي في البيت الأبيض خلال التسعينيات في عهدين رئاسيين.
كتب بجرأة عن أوضاع لبنان، مناديًا بالحياد الإيجابي، فصل الدين عن الدولة، والإصلاح الأخلاقي قبل السياسي.
دعا إلى استعادة الدولة اللبنانية لسلطتها وهيبتها، ورفض التبعية واختطاف القرار السيادي.
الالتزام الإنساني والوطني
رغم نجاحه المهني في الولايات المتحدة، بقي وفيًا للبنان، ولم ينسَ وطنه الأم. عمل بصمت على مد الجسور العلمية والإنسانية بين بيروت والعالم، من خلال محاضراته، ودعمه للطلاب اللبنانيين، واستقباله للكفاءات في مؤسساته.
آمن بأن الصحة ليست سلعة بل حق مقدس، وكان من القلائل الذين تجرأوا على قول الحقيقة: لا إصلاح في لبنان دون إعادة الاعتبار للإنسان، ونظام صحي عادل يحترم الكرامة.
كان ولا يزال صوتًا حرًا في وجه الطائفية والفساد، دعا إلى وطن مدني تحكمه الكفاءة والعدالة، ولم يهادن في مواقفه.
أرسل مساعدات طبية خلال الأزمات، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت، وأطلق برامج منح وزمالات طبية للطلاب اللبنانيين المتفوقين.
نادى بتطوير البنية الصحية ورفع مستوى البحث العلمي، وحذّر من التلوث البيئي الذي يزيد معدلات الإصابة بالسرطان.
مؤلفات الدكتور فيليب سالم
1. "السرطان... العدو الذي هزمته"
o باللغة العربية
o رحلة شخصية وعلمية في مواجهة السرطان، يمزج بين البحث الطبي والبعد الإنساني.
2. "على ضفاف الأمل"
o مجموعة مقالات فكرية وإنسانية عن الإنسان والوطن والإيمان.
3. "الطبيب والإيمان"
o العلاقة بين العلم والإيمان، والتوازن بينهما في الممارسة الطبية.
4. الإنسان هو الجواب
o مقالات وخواطر تدعو إلى وضع الكرامة الإنسانية فوق كل اعتبار.
5. أبحاث علمية منشورة عالميًا
o أكثر من 350 بحثًا في مجلات طبية مرموقة، أسهمت في تطوير بروتوكولات علاجية معتمدة عالميًا.
6. من جلجلة السرطان إِلى قيامة لبنان.
الطب، السياسة، والمجتمع
كتب سالم عن تجاربه الطبية ورؤيته للطب والسياسة والمجتمع، مما جعله مرجعًا إنسانيًا وعلميًا فريدًا.
البروفيسور فيليب سالم هو لبنان الذي نطمح إليه: عالم، منفتح، شجاع، نزيه، متجذر في الإنسانية.
كتابة قصته تعني استحضار نموذج حي للبناني الناجح في الخارج، الذي لا ينقطع عن جذوره، ويكرّس علمه لخدمة الإنسان.
إنه أكثر من طبيب وأستاذ جامعي، هو ضمير وصوت ورسالة، وفي قلبه لبنان المضيء، الحر، المتجدد الذي لا يزال ينبض رغم الجراح.
Comments