أدهم إبراهيم
تمثل العملية الانتخابية في العراق حالة من التكرار المزمن لأزمة الثقة بين الشعب والنظام الحاكم، حيث تتعثر الديمقراطية بين وعود الإصلاح والفشل المستمر. وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عامًا على سقوط النظام السابق، لم تنجح الانتخابات المتعاقبة في تجسير الهوة بين المواطن والسلطة، بل زادت من اتساعها نتيجة تفشي الفساد وتلاعب النخب الحاكمة بإرادة الناخبين. هذه الأزمة المتجددة تطرح تساؤلات مصيرية حول جدوى الانتخابات المقبلة، وقدرتها على إحداث تغيير جوهري في العملية السياسية يحقق الاستقرار والحكم العادل. فهل يمكن كسر حلقة الفشل هذه، أم أن العراق محكوم بدوامة من الانتخابات الشكلية التي تكرّس الأزمات بدلاً من حلّها؟
تتأثر الانتخابات في العراق بجملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي ترسم ملامح المشهد الانتخابي بعمق. وليس من المستغرب أن تكون نسبة المشاركة متدنية، كما حدث في الانتخابات السابقة التي لم تتجاوز 20%، إذ لم يجد المواطن العراقي مبررًا لاختيار أحزاب لم تقدّم سوى الفساد، وسوء الإدارة، ونهب المال العام، في ظل تدهور مستمر للخدمات على مدار أكثر من عقدين.
ويخوض النظام الحاكم في العراق الانتخابات مجددًا مدفوعًا برغبته في استمرار الفساد ونهب موارد الدولة، ما يفسر الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها رغم العقبات القانونية والسياسية، لأن الفوز بهذا الاستحقاق يضمن له النفوذ والمال.
في المقابل، يعبّر العزوف الشعبي عن حالة من الإحباط العام وانعدام الثقة بالنظام السياسي، حيث تبدو الأغلبية اليوم رافضة للاندماج في منظومة تعتبرها فاسدة، بينما تعوّل الأحزاب الحاكمة على قواعدها الموالية فقط، وهم في الغالب ممن يتلقون رواتب ومنافع من الكيانات الحزبية أو الفصائل المسلحة التابعة لها.
وتواجه العملية الانتخابية الجديدة تحديات متزايدة، أبرزها مقاطعة التيار الصدري، إلى جانب فئات مدنية وشبابية نشأت بعد احتجاجات تشرين 2019. كما تعبّر قوى شعبية أخرى عن شكوكها في نزاهة الانتخابات، في ظل استياء واسع من استمرارية الفساد وتغوّل الطبقة السياسية على مفاصل الدولة.
وتأتي الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات لأسباب عديدة، من أبرزها:
-
عجز الانتخابات عن تغيير البنية الأساسية للعملية السياسية الخاضعة للمحاصصة الطائفية والعرقية، مع تكرار الوجوه القديمة، وغياب أي جديد في القوائم الانتخابية التي تعيد تدوير شخصيات فاشلة منذ عهد مجلس الحكم وحتى اليوم.
-
الخذلان الشعبي الذي بلغ أشدّه نتيجة الحكم الفاسد والمحسوبية.
-
انتماء كثير من المرشحين إلى فصائل مسلحة أو حصولهم على دعم منها، مما يجعل المرشحين المستقلين عاجزين عن المنافسة.
-
قانون الانتخابات المفصّل لصالح الكتل الحاكمة، التي تهيمن على السلطة والثروة والإعلام، وترتبط بأجندات خارجية.
-
ترسّخ الفساد الذي لم يعد حالة استثنائية، بل أصبح قاعدة ثابتة في العمل السياسي، مما جعل التغيير شبه مستحيل ضمن هذا الإطار.
-
التزوير الممنهج للانتخابات في كل مرة، ما زاد من عزوف المواطنين عن المشاركة.
-
استمرار وجود السلاح بيد الجماعات المسلحة، رغم وعود الحكومة بحصره، مما يفقد العملية الانتخابية عنصر الأمان ويزرع الخوف في الشارع.
كل هذه المعطيات تجعل من ضعف الإقبال قضية جوهرية تمس شرعية النظام برمّته. فبدلاً من أن تعزز الانتخابات مشروعية الحكم، فاقمت من أزمته.
وفي ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها بعض القوى النافذة، لا سيما في "الإطار التنسيقي"، لإضعاف القوى المدنية وتهميش بعض الكتل، فإن الانتخابات تعيد إنتاج السلطة نفسها، دون إحداث أي تحول جذري في المشهد السياسي.
إن الدعوات المطروحة للمقاطعة لا تعبّر عن اللامبالاة، بل تمثل موقفًا واعيًا ورافضًا لمنظومة لم تعد تمثل طموحات الشعب العراقي. ومع تصاعد الرفض الشعبي، تتراجع شرعية النظام داخليًا وخارجيًا، وتزداد احتمالات حدوث انفجار شعبي واسع في المستقبل.
Comments