bah مَشروع العُرس حقٌّ مشروعٌ ولكن... - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

مَشروع العُرس حقٌّ مشروعٌ ولكن...

06/13/2025 - 18:59 PM

Atlas New

 

 

بقلم: مارون سامي عزّام

 

ما أن انتهت سلسلة الأعياد التي زيَّنت أوقاتنا بالفرح وملاحقة الأسواق لشراء الأغراض، بدأت يوميّاتنا تمتلئ بدعوات الأفراح، ونحن ما زلنا في بداية الموسم، فبدأنا نُحضِّر الميزانيَّة المنزليَّة لدخول حدود دولة الأعراس اللامتناهيَة، بهدف التمويل الأوَّلي لثمن بطاقة ما قبل العرس، الذي لن يكتمل إلّا بسلسلة فاخرة من المناسبات العائليَّة الدّاخليَّة الخاصَّة، المخصَّصة للقريبين والمقرَّبين من أهل العروسَين، الذين إلى هذا اليوم يرفضون التَّخفيف من الإجراءات الاحتفاليَّة، رغم شكواهم المفرَغ من الجديَّة.

كماليّات الفرح، تحوَّلَت مع مرور الوقت إلى مشروع استثماري كبير، يفُوق القدرات الماديَّة لكثير من العائلات، ومع ذلك لا بُدّ من تنفيذه على أكمل وجه، "عشان يبَيضو وجههم قدّام المعازيم"، جملة تُردَّد كثيرًا، لاعتبارات تنافسيَّة، لإشفاء غليل الـ Show Off أي استعراض التّباهي، القائم على معايير اعتباريَّة غير منطقيَّة، فقط لأن "أبو فلان الأقل مستوى طَبَقي"، طبَّق مبدأ "فش حدَا أحسَن من حدَا"، يعني شيطان الغيرة يتغلغل في أهل العُرس، يُحرِّض رب الأُسرة على "السَّعي بأيِّ ثمَن" لتنفيذ رغبات أبنائه، دفاعًا عن حقِّهم، فيلجأ هذا المُعيل إلى المصرِف، فيُسلِّمونه قوّة سلاح القروض المدمِّر، من أجل تحقيق رغبتهم الاستثنائيَّة!!

فجأةً يتحوَّل محيط المنزل بين ليلةٍ وضُحاها إلى مُجَسَّم ميداني جميل، تُعدُّه شركات متخصِّصة في إنتاج الأفراح، المنتشرة في بعض بلداتنا منذ عقدٍ من الزَّمن وأكثر، من أجل تخفيف قسم من عبء المسئوليّة عن أصحاب الفرح، نتيجة انخفاض القوى البشريّة العائليّة، لانشغالات الشُّبّان والصّبايا التعليميَّة، التي تفرِض عليهم تخصيص وقتٍ كافٍ للدّراسة الجامعيَّة، بعضهم الآخر يعملون في مجالات اختصاصهم، إذ أنّها تُحتِّم عليهم الالتزام التّام بعملهم، حفاظًا على مكانتهم الوظيفيَّة.

عند وصول الوافدين إلى منزل أحد العَروسَين... ينبهرون من رُقيّ الزّينة، فيصوِّرون بعض مقاطع الفيديو، لينشروها حالًا عبر الفيسبوك، لإثارة فضول الآخرين، الذين سُرعان ما يتفاعَلون من "روعة" التنظيم، فتَشع صفحتهم، من مؤثِّرات المباركات! لقد أوكل أصحاب العرس مَهَمَّة التَّضييف وترتيب الطّاولات، لأشخاص مختصّين، مُرسَلين من قِبَل أصحاب هذه الشركات، التي تملك كافّة المعدّات واللوازم الضروريَّة، لإتمام بناء معسكر الفرح، حسب المعايير الشَّخصيَّة، شريطة إتِّباع البروتوكول المتعارف عليه في المجتمع!

بعض الشَّركات تُزوِّد خدمة الطعام بأعلى مستوى!!، إنَّ تَوَفُّر وجود هذه الخدمات، تُريح أهل العُرس كثيرًا، لكنّها مُكْلِفَة جدًّا، إنّما باتت من الضَّروريّات، ليسير قطار العُرس على سكَّة التوفيق بسلاسة، بدون عقبات. هكذا أصبح طاقم إنتاج فيلم المظاهر المثير، شريكًا منفِّذًا حيويًّا، يُجهِّز موقع التَّصوير... عفوًا موقع الفرح، وثُمّ يبدأ النّادلين بوضع المقبِّلات العصريَّة على الطّاولات المزيَّنة، تحت إشراف نساء العائلة الخبيرات، اللواتي يخطِّطن لهم، كيفيَّة ونوعيَّة الوجبات الأوليَّة، وصولًا إلى الوجبة الأخيرة الفاخرة!!

بينما شبّان العائلة والأصدقاء، تنحصر مَهمَّتهم بمرافقة العريس أو العروس طيلة الأسبوع، لتحريك دواليب الحماس بين المدعوِّين بأقصى طاقاتهم، بالإضافة إلى المسيرة الترحيبيَّة التي يسيرونها خلف أحد العروسَين ليليًّا، لتأجيج روح المشاركة حول أحدهما، هكذا تكُون الليلة "واو"، تعبير عصري سائد جدًّا بين السَّيِّدات. الجميع بات منْهكًا، نتيجة تكاثر دعوات الأفراح التي تنهال عليهم، فيضطَّر بعض الأهالي لإرسال ابنهم نيابةً عنهم إلى السَّهرة، هكذا يوزّعون غنائم التزاماتهم فيما بينهم، إرضاءً للواجب تجاه صاحب الفرح.

النّاس لا تسأل عن جدول غلاء المعيشة، بل عن ارتفاع جدول غلاء القاعات، الذي يرتفع سنويًّا، ممّا يضطرُّ المدعوون لمضاعفة مبلغ النّقوط، "كمساهمة رمزيَّة" منهم بتمويل تكاليف الوجبات، القاعة، المصوِّر، "مايسترو" الفرقة الموسيقيَّة والعازفين المخضرمين!!، وكل هؤلاء يتقاضون مقابل "خدماتهم الترفيهيَّة" أجورًا خياليَّة، دون الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي، فما يهمهم هو صيانة شاملة لجيوبهم، على حساب صاحب العُرس، الذي يحسبها صفقة تجاريَّة، ستدر عليه "أرباحًا طائلة"، ليسد المصاريف الأخرى مؤجَّلة الدَّفع، لحين انتهاء مشروع العرس... أقول بكل أسف أن القيمة الماديّة قد طغت على القيمة الشخصيَّة، ولم تعُد مشاركة المدعو من الأولويّات!!

توسَّعَت في السنين الأخيرة فعّاليّات مشروع العُرس، بإقامة حفلة "توديع العزوبيَّة"، التي يبادر إليها سواءً العريس أو العروس، فلذا يوجِّهان دعواتهما لأصدقائهما ولأقاربهما من جيل الشّباب، حيث يحتفلون بأسلوبٍ غربيّ دخيل، لا يتماشى مع عاداتنا، فهُم يمرحون، يرقصون إلى أن تُزهِر براعم الفجر، هذا الاحتفال الصّاخِب، يعكس مرحلة الانعتاق من طيش الشّباب، والانضمام إلى نادي الاستقرار الزّوجي.

في ظل انعدام التّلاقي الفعلي بين الأقارب والأصدقاء، أصبح الفرح مكانًا يلتقون فيه، فيتبادلون التّحيّات والأحاديث، في حال أَذَنَ لهم الضّجيج بذلك، فيخترقون ازدحام الأماكن، للتعبير عن فرحتهم العارمة بوجودهم... عُرس الأقارب بالذّات، يُعتبَر أفضل فرصة لتطبيع العلاقات العائليّة بين الأشِقّاء العرب... عفوًا بين أشِقّاء الدَّم الواحد، فتبدأ عمليَّة تفاوضيَّة مكّوكيَّة بين الأهل، بالاستعانة بالمقرَّبين المعنِيِّين بالشّأن، من أجل تسويَة الخلاف بينهم، إلى أن تفتح بوّابة التسامح الأخوي أبوابها، كي يتسنّى له مشاركة شقيقه فرحته.

في بعض الحالات "يتعذّر" حلّ الإشكال، بسبب ارتفاع حاجز الأنا، لدى أحد الطَّرَفَين، لأنه غطّى على مساعي الوفاق بينهما... مشروع العُرس ليس فقط إطلاق مفرقعات السّعادة في فضاء التّعالي الافتراضي، بل بغيته أن يضَع جميع أفراد البيت الواحد، في أوَّل أولويّاته، والأهم ألّا يزعزع الزَّعل بنية الفرح، من أجل إكمال دائرة نجاحه، حفاظًا على كرامتهم بين النّاس. 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment