bah واشنطن وتل أبيب: تحالف الفوضى في الشرق الأوسط - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

واشنطن وتل أبيب: تحالف الفوضى في الشرق الأوسط

06/16/2025 - 18:06 PM

absolute collision

 

 

سمير عادل *

 

الحملة العسكرية التي بدأتها إسرائيل ضد إيران منذ فجر أمس المصادف 13 حزيران 2025، أفرزت استقطابات سياسية حادة في المواقف ودفعت الأطراف المختلفة إلى التخندق مع هذا الطرف أو ذاك. 

ورغم أن الشعار المعلن لهذه الحملة العسكرية هو "الدفاع عن وجود إسرائيل" من خلال تحييد القدرات النووية والبالستية لإيران، إلا أن الحقيقة التي باتت غير خافية، وتتعامى عليها الإدارة الأمريكية والدولة الإسرائيلية بطبقتها الحاكمة بشكل مغرض، تكمن في السعي لإعادة رسم التوازنات السياسية في المنطقة، ومحاولة لإعادة التموضع الأمريكي عبر إسرائيل في الشرق الأوسط.

تحاول دولة إسرائيل أن تسوّق نفسها قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة، مستغلةً عملية السابع من أكتوبر 2023 وما تبعها من أحداث في غزة لتوسيع نفوذها العسكري وتحقيق استراتيجيتها السياسية في الهيمنة الإقليمية.

وقد سادت في الأوساط السياسية خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج أوهام عدّة، مفادها أن الولايات المتحدة قد تتخلى عن إسرائيل لمصلحة تحالفات جديدة مع تركيا، ودول الخليج، في ظل الصفقات الاقتصادية الضخمة التي أبرمت مع هذه الدول. إلا أن الوقائع التاريخية، ومن زاوية الاستراتيجية الأمريكية، تؤكد أن دولة إسرائيل تشكل حلقة استراتيجية محورية في السياسة الأمريكية بشكل خاص، وفي السياسة الغربية والأطلسية عمومًا. وهناك سببان أساسيان يمنعان تجاهل هذا الارتباط العميق:

أولًا، إن دولة إسرائيل نشأت في المنطقة ضمن إطار العقيدة الاستعمارية الغربية، ونظامها السياسي “الديمقراطي” هو انعكاس للنموذج السياسي الغربي. لذا فإنّ وجود إسرائيل قائم ومرتبط بالدعم الغربي، وفي مقدمته الدعم الأمريكي. فالعلاقة بين إسرائيل والغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، تتجاوز مفهوم التحالف التقليدي، بل هي عِلاقة تكامل استراتيجي تشمل الجوانب الأمنية والعسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية. ومن هنا لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل العِلاقة العضوية بين إسرائيل وأمريكا.  

ثانيًا، إن النزعة القومية والمعادية لأمريكا وإسرائيل في المنطقة هي من بين أقوى النزعات المناهضة للغرب في العالم بأسره. وقد أصبحت هذه النزعة جزءًا من وجدان الجماهير في المنطقة، نتيجة الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والدعم الأمريكي المتواصل لها، إلى جانب السياسات الإمبريالية الأمريكية في المنطقة. وبمعنى آخر، لا توجد دولة أخرى تستطيع أو تجرؤ على شغل الموقع الذي تحتله إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية، نظرًا لما تمثله هذه النزعة من مخاطر دائمة في وجه أي بديل محتمل. وهذه النزعة كانت وما زالت جزء من صياغة الهويات القومية والإسلامية لتعريف نفسها وتعبئة الجماهير لمعارضته للأنظمة السياسية الحاكمة.

أما تركيا، فهي دولة تسعى بدورها للحصول على موقع إقليمي متميز، بل وتعمل على توسيع نفوذها إلى خارج المنطقة، وصولًا إلى إفريقيًا، وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق، والخليج، وغيرها. إنها قوة تسعى خلف مصالحها القومية المستقلة، وبينت سياستها تجاه التسليح وشراء منظومة اس ٤٠٠ الروسية واتخاذ موقف متوازن من الصراع الأوكراني-الروسي بأنها لا تستطع أن تحتل الدور الاستراتيجي الذي تمثله إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة.

من خلال هذه اللوحة السياسية، ينبغي النظر إلى ما وراء الحملة العسكرية الإسرائيلية على النظام السياسي في إيران. فالنظام الإيراني يشكّل العائق الأكبر أمام تمدد إسرائيل وهيمنتها العسكرية والسياسية. وفي الوقت ذاته، تُعدّ إيران منصة استراتيجية للتمدد الروسي والصيني في الشرق الأوسط، إذ لدى كلا البلدين على سبيل المثال استثمارات تصل قيمتها إلى ٥٠٠ مليار دولار في الاقتصاد الإيراني. ويأتي استهداف إسرائيل بمحيط حقل "بارشين" الغازي -الذي هو أكبر الحقول الغازية في العالم-، بمثابة رسالة موجهة إلى روسيا والصين، كونه جزءاً من هذه الاستثمارات.

أما سبب عدم تدخل روسيا، فيعود إلى انشغالها العميق وانغماسها في حرب أوكرانيا، وهو ما تدركه الولايات المتحدة وإسرائيل جيداً وتستثمره لمصلحتها بشكل مدروس، كما يؤكد ذلك سقوط النظام السوري الحليف لروسيا دون تدخل حاسم منها. وينطبق الأمر ذاته على الصين، التي تخوض صراعًا متصاعدًا مع الولايات المتحدة حول مِلَفّ تايوان والسيطرة في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى النزاعات التجارية المتعلقة بالرسوم الجمركية والسياسات الاقتصادية.

 ولهذا بدأت القضية تتخذ أبعادًا أوسع، حيث بدأت بعض الأطراف الإقليمية تنخرط، ولو على الصعيد الإعلامي والدعائي، في هذا الصراع، مثل باكستان وتركيا.

فباكستان، التي تضيق ذرعًا بتوسع النفوذ الهندي، تجد نفسها مضطرة للدخول في هذا الصراع بهدف تحسين موقعها في إطار إعادة رسم التوازنات السياسية، وتسعى في الوقت نفسه إلى ابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين موقعها أمام الهند وأمام التغييرات السياسية التي تشهدها المنطقة.

وينطبق الأمر ذاته على تركيا، التي ترى في انتصار إسرائيل تراجعًا سياسيًا لمكانتها، كما أن سقوط النظام السياسي في إيران، في حال حدوثه، يعني عمليًا تفكيك الاستراتيجية التركية وضياع الجهود التي بذلتها لتأمين موقع متقدم لها في المنطقة. وتعيد المسألة القومية الكردية إلى الواجهة من جديد، وهي التي لطالما شكّلت خنجرًا مغروسًا في خاصرة النظام التركي القومي. وقد جاءت تصريحات حزب بيجاك اليوم، الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني، بإعلان استقلال كردستان إيران، مستغلًا الأوضاع المضطربة الناجمة عن الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل.

لقد أشرنا في مناسبات عدّة إلى أن دولة إسرائيل لا تأبه إطلاقًا لتداعيات سقوط النظام السياسي في إيران، بل إن هذا السيناريو يشكّل جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها، كما عبّر عن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في خطابين منفصلين منذ اليوم الأول لانطلاق الحملة العسكرية على إيران. 

تكمن المعضلة السياسية في أن إيران ليست أمامها سوى خيارين كلاهما بالغ الخطورة على بقاء النظام السياسي: فإما التنازل الكامل كما فعل الخميني عند إعلانه وقف الحرب مع العراق بأنه كما"يتجرع السم”، وهو خِيار يصعب على النظام الإيراني تحمله لما يحمله من تداعيات خطيرة على استقراره الداخلي؛ وإما الانخراط في مواجهة شاملة لا يستطيع النظام تحمّل تكاليفها، خاصة إذا ما دخلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على خط الحرب بشكل مباشر. إن الحفاظ على بقاء النظام السياسي يمثل أولوية استراتيجية قصوى بالنسبة للجمهورية الإسلامية.

أما ما صرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أنه كما أوقف الحرب بين باكستان والهند سيتمكن من وقف الحرب بين إسرائيل وإيران، فلا يعدو كونه هراءً سياسيًا لا أساس له من الواقع، ويشبه في طابعه تصريحات مماثلة أطلقها بشأن إنهاء الحرب في غزة والحرب الروسية الأوكرانية.

 أن التجربة التي عشنا أحداثها التراجيدية و بمرارة نحن في العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي لا تقارن بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في حال سقوط النظام الإيراني نتيجة الغزو أو الضربات العسكرية؛ إذ ستدخل المنطقة في دوامة جديدة من الفوضى السياسية والأمنية، وقد يتطور الوضع إلى انخراط مزيد من الدول في أتون هذه الحرب.

بالنسبة لنا، ولكل إنسان حر يتمتع بعقل سليم وتحركه النزعة الإنسانية، فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية التي تحوّلت إلى حرب دامية بين الطرفين، من شأنها أن تفرض التراجع على كل الحركات المدنية التي تناضل من أجل انتزاع الحريات السياسية، والحقوق المدنية، وتحسين مستوى المعيشة وظروف حياة العمال والنساء والشباب في العراق وإيران بشكل خاص.

صحيح أن النظام السياسي في إيران هو نظام رُجْعِيّ، استبدادي، مجرم، معادٍ لكل ما هو إنساني؛ نظام قائم على الإعدامات، إهانة الإنسان، وانتقاص كرامته، يعرّف هويته على أساس دونية المرأة، ويعادي الحريات السياسية والشخصية، ويستعبد الطبقة العاملة، ويسعى لفرض هيمنته القومية على المنطقة تحت غطاء أيديولوجيًا رجعية معادية للتقدم.

لكننا لا ننطلق في مواقفنا من منطلق نزعة معاداة الإسلام السياسي او النزعة المعادية ضد الإمبريالية، بل من موقع رفض الاستبداد والظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. و لنطرح السؤال ببساطة: ماذا لو كان بديل النظام القائم في إيران هو البديل الذي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرضه؟ لقد رأينا في العراق ما فرض علينا من بدائل رجعية بعد الاحتلال الأمريكي، ولا تزال نتائجه المدمرة قائمة حتى اليوم.

ثم كيف يمكن لدولة متورطة في قتل أكثر من 20 ألف طفل بريء في غزة — أطفال لم تتفتح أعينهم بعد على هذه الحياة — ورئيس وزرائها مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، أن تشكل بديلًا مقبولًا لجماهير ايران التي قدمت جماهيرها آلاف من التضحيات من اجل الحرية والحياة الكريمة؟.

 

* كاتب ومحلل سياسي من العراق

 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment