بقلم: مارون سامي عزّام
الإعلام المحلّي الذي كان متبعًا عندنا لغاية منتصف سنوات الألفين، هو المقروء أو المسموع، الذي ساهم إلى حد كبير بنشر إبداع الكاتب من خلال الصّحف المحليّة، أو من خلال المواقع الإلكترونية، لكن منذ أن تَجَذَّر الإعلام الجديد في حياتنا، المتمثِّل بوسائل التواصل المختلفة، أصبح لكل "إعلامي إخباري"، غرفة أخبار ميدانيَّة متنقِّلة، خاصَّة به، لا يحتاج إلى تمويل أو دعم أي مستثمر، بل يحتاج إلى إنترنت خليوي ثابت وقوي، "ليَبث للجمهور سير ما يحدُث"، كما عليه إنشاء صفحة "إعلاميّة" عبر الفيسبوك، لتصبح Viral مصطلح العصر الجديد، وتعني متداولة، بالأخص بيننا، ولدى مؤسّساتنا، لكي تنقل أخبارها "بشفافيَّة عالية"، فيحظى هذا "الإعلامي" بنجوميَّة مفتعلة ومؤقَّتة!!
لا يوجد أي سلطة رقابيَّة على هذه الصّفحات، فقط انفلات صحفي غير مسبوق، بلا هويَّة محدَّدة، بدون تراخيص أو معايير مهنيَّة، حتّى الكنيست إلى الآن لم تسن قوانين تنظِّم عمل هذه الوسائل الإعلاميّة الجديدة، وكما تسمّى إعلاميًّا New Media، المحلِّقة في الفضاء الافتراضي... ما تنشُره هذه المليشيات الإخبارية المترامية في ميدان الفيس، يصدِّقه النّاس... فهم لا يبحثون عن المصداقيَّة، بل عن الإثارة والمبالغة، يبحثون عن التفاصيل بكل ما فيها من تداعيات اجتماعية، تشبه إلى حد كبير ثرثرة النِّساء الصّباحيَّة.
تلك الفوضى السّائدة تُذكِّرني بوسائل الإعلام اللبنانيَّة التي لم تُنَظَّم إلى الآن، كل قناة تهاجم زميلتها، وأي إعلامي يحكي ما يشاء من كلام مهين بحق الفنّانين والسياسيين، وكما قال الإعلامي الكبير جورج قرداحي مؤخّرًا عن الإعلام اللبناني: "حريَّته جامحة بدون كوابح"... كل ما قدّمه التطور الإعلامي الجديد للمبدع المحلي من تسهيلات، ليست إلّا أدوات تساعده على الانتشار المحلّي، فكم من كاتب مغمور، كتب نصًّا ما على صفحته، أصبح "نجمًا" فوريًّا، خلال أيّام أو أقل، مستمدًّا شهرته من "التعليقات التشجيعيَّة" التي تلقّاها من متابعيه، الذين أشبعوه إطراءً وهميًّا بلا أساس... أمّا إذا وجَّه أحد الكتّاب المعروفين إلى ذلك "الكاتب" نقدًا بنّاءً، ينزعج كثيرًا، ويفرض حظرًا عليه!!
هؤلاء "الكتّاب" الذي فرضهم علينا "الفيسبوك" ومنظّماته الإعلاميّة التّابعة له "كالإنستغرام"، "الواتس أب"، وغيرها... يرفضون النَّشر في الصحف المحليَّة، بل يكتفون فقط بالخربشة على صفحاتهم "المبدعة"، لانعدام ثقتهم بنفسهم، وخوفهم من عدم قبول نشرها في الصحيفة الورقيَّة، التي بدأت منذ بضع سنوات تنقرض محليًّا وعالميًّا، بسبب تكاليف الإصدار وانخفاض عدد القرّاء، الذين يفضِّلون البقاء تحت سيطرة هواتفهم الذّكيَّة، التي تنحني لها رؤوسهم "احترامًا"، خاضعين لأعرافها الحديثة، ولأخبارها السّريعة، القادمة من قلب الحدث!!
المؤسّسات الإعلاميَّة المحليّة، وأصحاب الصفحات الإخباريّة عليهم أن يعملوا تحت سقف سياسة حريَّة النشر التي تتَّبعها إدارة الفيسبوك، والالتزام بسياستها وأنظمة النَّشر المتَّبعة لديها، الخاضعة للقوانين الإسرائيليَّة "الحسّاسة"، لأن أي نشر "يمس" بأمن الدّولة، حالًا يفرض الفيسبوك، عقوبات شديدة على أصحابها لفترة زمنيّة محدَّدة، معظمها غير منطقيَّة، وغير مُبرَّرَة، فقط لإبراز عنصريَّة قادة الدولة، وإن اعترفوا بوجود العرب، فأنهم لم ولن يمنحوهم حقوقًا إعلاميّة واسعة، خصوصًا بعد اندلاع الحرب التي يزيدها نتنياهو اشتعالًا.
أتساءل: "هل يصنع الإعلام في العالم العربي من الفنّان إعلاميًا؟" الإجابة نعم، لأن غالبية الفضائيات العربية تملكها شركات خاصة غير حكومية، تتبع لأحد أمراء الخليج، الذي بفضل ما يملك من أموال، وليس بفضل ثقافته الغنيّة، تحوّلت قناته الفضائيّة خلال بضعة أعوام إلى مؤسّسة إعلاميّة، ترفيهيّة شهيرة ومعروفة، من السهل عليها إغراء أي فنان بالمال كي يعمل لديها، بتقديم البرامج الترفيهيّة السّخيفة، إذًا هذه المؤسّسات الإعلامية من جهة تضع ثقلها المادي في تسويق الفنّان العربي، ومن جهة أخرى تستهتر بفِكر المشاهِد العربي.
لا شك أن لدينا إعلاميين كبار، هم بحد ذاتهم يعتبرون نجومًا ما زالت تسطع في سماء مجتمعنا منذ عشرات السِّنين، لكنهم غائبون عن المشهد الإعلامي المحلّي، لأنّنا لا ولن نملكُ وسيلة إعلاميّة مستقلّة، لأنها للأسف غير قادرة على الاستثمار بهم، مع أن الكاميرا تحب إطلالاتهم... غير قادرة على منحهم ساعة بثٍّ فضائيٍّ، وليس لديها قدرة على صُنع نجوميَّتهم، للانتشار عربيًّا... الاستثمار الحقيقي هو أساس استمرار عمل أي وسيلة إعلاميَّة، أما نجاحها فإنه يقع على نوعيَّة البرامج وقيمتها، كما حصل مع قناة 13 التي كادت أن تُغلَق لولا أن المستثمر اليهودي الجديد، ضخ الأموال لضمان بقاء بثّها، رغمًا عن أنف نتنياهو الذي يكرهها، لأنها ضد سياساته الحربيّة.
لدينا ممثّلون عرب معروفون، شاركوا في أفلام إسرائيليّة لاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا في ثمانينيّات القرن الماضي، ولكن الشّهرة لم تُنسَب يومًا ما إليهم، بل نُسِبَت إلى صُنّاع الفيلم، لذلك فإن مشاركة الممثّل العربي في السينما الإسرائيليَّة، كانت مجرد دورٍ أدّاه لخدمة الرواية، رغم أنه حظي بتقدير النّقّاد حينها، ولكنه لم يرتقِ إلى مراتب الشهرة، إن كان على المستوى المحلي أو على مستوى العالم العربي. الممثلون والإعلاميّون العرب، ما زالوا يعملون تحت الوصاية الإعلامية الإسرائيليّة، وليس لديهم كيانًا إعلاميًّا عربيًّا مستقلًّا، وتبقى الخلاصة أن تطوّرنا الإعلامي سيبقى حبيسًا لسياسة التمييز التي تنتهجها هذه الدّولة، وستبقى نجومية الإعلاميين المحليين العرب محدودة أو شبه معدومة!!.
Comments