بقلم: م. مدحت الخطيب
يا قوم، خفّفوا من غلوائكم في النظر إلى هذه الحرب، واخرجوا من قوالبكم واصطفافاتكم؛ فهذه حربٌ مختلفة بكل ما تحمل الكلمة من مدلولات، لن تقف حدودها عند الأطراف المباشرة فيها، ولن تنتهي بانتصار عسكري هنا أو هزيمة هناك...
لقد تدحرجت هذه الحرب من غزة إلى لبنان، ثم اليمن، فسوريا، وها هي اليوم تضرب عمق إيران، الدولة التي وإن اختلفنا معها في الكثير من سياساتها التوسعية على حساب ودماء العرب، إلا أنه لا يمكن إنكار أنها تمثل قوة ردع في مواجهة غطرسة المشروع الصهيوني. هذا المشروع الذي يجاهر به متطرفو الكيان الصهيوني، ويعملون لأجله بلا هوادة.
لأجل ذلك، ليس من الحكمة أن نغفل عن الصورة الكبرى في تعاطينا مع المشهد، ونحن نرى المنطقة تشتعل، بينما "المركز" في تل أبيب يزداد عنفًا وثقة وغطرسة وعلوًّا لم يشهدها العالم الإنساني من قبل.
اليوم، ومع وجود هذا الكيان المسعور الذي يدخلنا في تصعيدٍ جديد، وحربٍ نووية حقيقية قد تعود ويلاتُها على المنطقة بأكملها، فإن لم تصمد إيران اليوم وتردّ الكيل بمكيالين، فإن غدًا سيكون على موعدٍ مع مشهدٍ أشدّ سوادًا...
اليوم، سوريا مهددة بالاجتياح الكامل، بسُنّتها وشيعتها وعلوييها ودروزها ومسيحييها، وعربها وكردها؛
تركيا كذلك تواجه خطر التقسيم، وضغط القوميات، وعودة التلاعب في إعدادات ومكوّنات شعبها؛
وباكستان أيضًا ستكون على الطاولة، كوجبة مقبلة في مطبخ "الشرق الأوسط الجديد" الذي يريد بنيامين نتنياهو أن يفرضه على الجميع.
أما نحن العرب، فسنُمنح أدوارًا محددة في كل ذلك، بعد أن يُحكموا سيطرتهم على خيراتنا، ويُوزَّع فتاتُها علينا وفق مقاس الرؤية الإسرائيلية.
منذ اليوم الأول للسابع من أكتوبر، ونتنياهو لا يُخفي نواياه تجاه الجميع، بل يصدح بها كل يوم. ونحن، كعرب ومسلمين وطلاب سلام وحرية، منشغلون بخلافات صفّين، وتاريخ الجمل، ومعارك المذاهب والقبائل، بينما العدو يتقدّم إلينا واحدًا تلو الآخر، ويقضم أطرافنا جميعًا، ويدير اللعبة بدهاء واقتدار، مستفيدًا من تشرذمنا وتخلّينا عن قضايانا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى، والحرب على غزة.
بقناعتي، ما نشاهده اليوم من تطورات ليست معركة إيران وحدها، ولا يجوز أن نراها كذلك، وكما أسلفت، وإن اختلفنا معها طولًا وعرضًا. فهي معركة كل من يرى نفسه حرًّا في أرضه، وكل من يرفض أن يُدار بعصا التهديد الإسرائيلي المتطرف.
في الختام، أقول:
عودوا جميعًا إلى خطاب جلالة الملك يوم أمس؛ ففيه من الحكمة والدبلوماسية الهادئة ما يعيد إلينا رشدنا. وصدقوني، إن لم ننصر غزّة بعد عشرين شهرًا من هذا الدمار والقتل والتشريد، فلننصر أنفسنا على الأقل. فالنار في ثيابنا جميعًا، والشرر يتطاير فوق رؤوسنا.
ويا من تراهنون على الحياد، اعلموا أن الحياد في زمن الحق باطل.
حمى الله الأردن وطنًا وملكًا وجيشًا وشعبًا، وسائر بلاد العرب والمسلمين.
Comments