بيروت – بيروت تايمز – تحقيق للأعلامي جورج ديب
بعد مرور ست أشهر على انتخابه رئيسًا للجمهورية اللبنانية، يواصل العماد جوزاف عون قيادة مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد، تتسم بتركيز غير مسبوق على استعادة هيبة الدولة، وتفعيل مؤسساتها، ومواجهة التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة. فمنذ انتخابه في كانون الثاني 2025، يسير الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية بخطى ثابتة في حقل ألغام السياسة اللبنانية، واضعًا نُصْبَ عينيه هدفًا واضحًا: إعادة لبنان إلى سكة الدولة.
إصلاحات مالية ومصرفية جذرية
في خطوة وُصفت بأنها "انقلاب هادئ على المنظومة"، وقّع الرئيس عون تعديلات جوهرية على قانون السرية المصرفية، ما أتاح للجهات القضائية والرقابية اللبنانية والدولية الوصول إلى حسابات مرتبطة بملفات فساد مزمن. هذه الخطوة فتحت الباب أمام استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدُّوَليّ، وأظهرت رغبة رئاسية واضحة بكسر المحرمات المالية.
تشكيل حكومة إصلاحية
بدعم مباشر من الرئيس، كُلّف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة جديدة، فتمكّن من تأليف حكومة مصغّرة نالت ثقة المجلس النيابي في شباط الماضي، وَسَط دعم دُوَليّ لافت، خصوصًا من فرنسا والولايات المتحدة، ما أعاد الأمل بإطلاق ورشة إصلاحات حقيقية.
انفتاح دبلوماسي واسع
على الصعيد الخارجي، أطلق الرئيس عون حملة دبلوماسية نشطة أعادت لبنان إلى خريطة الاهتمام العربي والدولي:
زيارته الأولى كانت إلى المملكة العربية السُّعُودية، حيث استُقبل بحفاوة رسمية، وعقد خلوة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تم خلالها التفاهم على دعم اقتصادي مشروط بالإصلاحات.
شارك في القمة العربية الطارئة في القاهرة، حيث ألقى كلمة لاقت ترحيبًا واسعًا، واعتُبرت امتدادًا لخطاب القسم من حيث التوجهات السيادية والإصلاحية.
زار فرنسا، حيث التقى بالرئيس إيمانويل ماكرون، وتم التفاهم على برنامَج دعم اقتصادي طويل الأمد.
اختتم جولة خليجية بزيارة رسمية إلى الإمارات وقطر، حيث ناقش مشروعات تنموية واستثمارية مشتركة.
زار الاردن ومصر والتقى البابا لاوون الرابع عشر في الفاتيكان.
تعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها
رغم حساسية المِلَفّ، لم يتردد الرئيس عون في فتح حوار غير مباشر مع "حزب الله" بإشراف أطراف لبنانية ودولية، بهدف وضع ضوابط لاستخدام السلاح خارج إطار الدولة، خصوصًا في ظل التوترات على الحدود الجنوبية. كما عمل على تعزيز قدرات الجيش اللبناني، مستفيدًا من دعم خارجي لتأمين المُعِدَّات والتمويل، ما ساهم في انخفاض ملحوظ في معدلات الجريمة المنظمة، حَسَبَ بيانات قوى الأمن الداخلي.
التحديات المتبقية
رغم هذا الزخم، لا تزل تحديات كبيرة تواجه العهد الجديد، أبرزها:
إصلاح قطاع الكهرباء، رغم توقيع اتفاق تمويلي مع البنك الدُّوَليّ بقيمة 250 مليون دولار.
ضبط السلاح خارج الدولة، وتحويل الحُوَار مع "حزب الله" إلى نتائج ملموسة.
استقلالية القضاء، في ظل تدخلات سياسية تعرقل ملفات حساسة، مثل مِلَفّ حاكم مَصْرِف لبنان السابق.
ثلاثية الرِّهان الرئاسي
يراهن الرئيس عون على ثلاثية واضحة:
1. إجماع دولي على دعمه كرئيس إصلاحي.
2. انكفاء نسبي لقوى السلطة التقليدية بفعل الانهيار الشعبي.
3. تغيير هادئ من داخل النظام، لا انقلاب عليه.
لكن نجاحه في تحقيق تغيير فعلي يبقى مرهونًا بقدرته على فرض واقع أمني مستقر، تثبيت الخطوط الاقتصادية الكبرى مع صندوق النقد، وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة تُفضي إلى برلمان جديد أكثر توافقًا مع مشروع الدولة.
جوزاف عون لا يعد بـ "معجزات"، لكنه يمسك بخيوط واقعية لولادة "دولة ممكنة" في زمن المستحيلات. فهل تكون ولايته بداية مرحلة عنوانها التوازن بين الداخل والخارج... وبين الدولة والدويلة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.
Comments