bah الرئيس السوري يتوعّد بملاحقة منفّذي تفجير كنيسة مار إلياس: "لن ينجو أحد من العقاب" - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الرئيس السوري يتوعّد بملاحقة منفّذي تفجير كنيسة مار إلياس: "لن ينجو أحد من العقاب"

06/23/2025 - 15:44 PM

بيروت

 

 

دمشق - بيروت تايمز - تحقيق الاعلامي جورج ديب

 

في لحظة خاطفة، تحوّلت كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة الدمشقي من موئل صلاة وخشوع إلى مسرحٍ للموت والفوضى. التفجير الانتحاري الذي استهدف قدّاسًا صباحيًا حضره العشرات من المصلّين، أعاد إلى الأذهان مشاهد العنف الطائفي والدموي التي ظنّ السوريون أنهم تجاوزوها، بعد سنوات من الحرب والانقسام.

هذه ليست مجرد حادثة أمنية معزولة، بل جريمة مركّبة بأبعاد دينية وسياسية وأمنية، تهدد من جديد فكرة "العاصمة الآمنة"، وتضرب في عمق التعدد السوري المتعب.

■ الهجوم: عودة الانتحاريين إلى دمشق؟

الانتحاري الذي فجّر نفسه قرب مذبح كنيسة مار إلياس، كان يرتدي حزامًا ناسفًا، ودخل بين المصلّين بهدوء. لحظات بعد بدء القداس، دوّى الانفجار، مُسقطًا 27 قتيلًا وأكثر من 60 جريحًا، بعضهم من النساء والأطفال. ولعلّ الأشد رعبًا، بحسب روايات شهود عيان، هو صراخ الأطفال وهم يُنتشلون من تحت الأنقاض، وَسَط الدماء ورائحة البَخُور المحترق.

وبحسب مصادر في وزارة الداخلية السورية، فإن الهجوم يحمل بصمات خلايا نائمة أعيد تنشيطها في العاصمة مؤخرًا، في ظل اختراقات أمنية مقلقة، يُعتقد أنها مرتبطة بجهات تسعى لزعزعة الاستقرار من الداخل.

■ الشرع في مواجهة الامتحان الأول

الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي تولى السلطة في كانون الثاني/يناير 2025 بعد سقوط نظام بشار الأسد، وجد نفسه فجأة في مواجهة أكبر تحدٍّ داخلي منذ تسلّمه الحكم. وفي بيان استثنائي غلبت عليه النبرة العاطفية، قال:

"نعاهد السوريين بأننا سنصل الليل بالنهار، مستنفرين كامل أجهزتنا الأمنية المختصة لضبط كل من شارك وخطط لهذه الجريمة النكراء".

بيان الشرع جاء ليؤكد أن الدولة، برغم كل تعقيداتها السياسية وارتباكها الانتقالي، لا تزال ترى في أمن العاصمة "خطًا أحمرًا"، لكن هل يكفي ذلك؟

■ خلفيات الهجوم: صدع في التوازن السوري

لطالما كانت دمشق رمزًا لـ"الهدوء المراقب"، خاصة بعد اتفاقات المصالحة بين الفصائل المسلحة والنظام السابق، وتعاون الأجهزة الأمنية مع القوات الروسية والإيرانية في حماية العاصمة. لكن مع انسحاب تدريجي للقوات الأجنبية، وانشغال الجيش السوري بإعادة التموضع، تعيد بعض التنظيمات الراديكالية تنظيم صفوفها، فيما تنشط خلايا صغيرة خارج سيطرة الدولة.

ويرى محللون أن تفجير الكنيسة رسالة مزدوجة: تهديد للأقليات بأن لا "ملاذ آمن" حتى في العاصمة، وتحدٍّ مباشر للشرع الذي يسعى لترسيخ صورة "سوريا ما بعد الأسد".

■ الكنيسة ترفع الصوت: "لا لطمس الحقيقة"

في رد فعل غير معتاد، خرجت الكنيسة الأرثوذكسية عن صمتها، وأصدر البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بيانًا حادّ اللهجة جاء فيه: "نصلي من أجل الشهداء، لكننا نرفع الصوت أيضًا: كفى استهدافًا للمقدسات. نطالب بتحقيق شفاف لا يُغلق كما أغلقت ملفات سابقة".

الموقف الكنسي حمل في طياته أيضًا رفضًا للتساهل في التعامل مع الاعتداءات ضد المكوّن المسيحي، الذي يواجه نزيفًا ديموغرافيًا منذ 2011، وَسَط هجرة متواصلة وتقلصٍ للوجود الرمزي والديموغرافي في المدن الكبرى.

■ صدمة دولية واتهامات مبطّنة

الهجوم لقي إدانات سريعة من الفاتيكان، والخارجية الأميركية، وموسكو وباريس وبيروت، لكن اللافت أن بعض البيانات الدولية حملت لهجة "تحذيرية" ضمنًا، إذ شددت على ضرورة حماية الأقليات، و"منع الانزلاق مجددًا إلى العنف الطائفي"، في إشارة إلى هشاشة المرحلة الانتقالية.

الأمم المتحدة وصفت التفجير بأنه "تهديد شديد الْخَطَر لمسار المصالحة الوطنية"، فيما أبدت دول الجوار – خصوصًا العراق والأردن ولبنان – قلقها من إمكانية امتداد العنف خارج حدود سوريا.

■ هل من المستفيد؟

في التحقيقات الأولية، لم تتبنَّ أي جهة المسؤولية، لكن مصادر أمنية تتحدث عن إشارات لضلوع خلايا تابعة لتنظيم "داعش – ولاية الشام"، التي تنشط في البادية وتستفيد من التشتت الأمني. كما لم يُستبعد أن تكون بعض التنظيمات المرتبطة بجهات خارجية تسعى لعرقلة التحول السياسي، من طريق توجيه ضربات طائفية مدروسة في توقيت مفصلي.

■ الخاتمة: مار إلياس جرس إنذار للجميع

تفجير كنيسة مار إلياس ليس مجرد جريمة إرهابية عابرة، بل علامة فارقة في خريطة الصراع السوري المتجدد. إنها لحظة اختبار حقيقية لـ"الجمهورية السورية الجديدة"، ولقدرتها على حماية شعبها ومقدساتها.

السؤال الآن: هل تنجح السلطة الانتقالية في تَرْجَمَة وعودها إلى أفعال، أم يُضاف هذا المِلَفّ إلى محفوظات الذاكرة المنكوبة لسوريا؟

الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment