د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
استبدلت أمريكا والغرب نظام الشاه بنظام الملالي لوقف أي تحالف إقليمي يهدد أمن إسرائيل، دعمت أيران إسرائيل في ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 الذي أنشئ بالتعاون مع فرنسا عام 1975 سميت بعملية بابل سبق تلك الضربة غارة إيرانية غير مؤثرة وغير ناجحة خلال حرب الخليج الأولى التي بدأت في سبتمبر 1980 عرفت باسم قادسية صدام بينما عرفت باسم الدفاع المقدس في إيران.
كانت تسعى إيران إلى قيام تفاهمات مع إسرائيل، وتعلن إيران أنها لا تستهدف إسرائيل، ولكنه يلتقي مع النفوذ الإسرائيلي، بل تستهدف قضم المنطقة العربية، لتحقيق امبراطوريتها الفارسية، نازعتها تركيا بعد ثورات الربيع العربي في استعادة العثمانية الجديدة، خصوصا بعدما فشلت بالتعاون مع السعودية في مواجهة إيران في سوريا، لكن مجيء روسيا إلى سوريا غير المعادلة لمصلحة إيران، تراجعت تركيا سريعًا، وعادت إلى تعميق علاقتها بالسعودية ومع بقية الدول العربية خصوصا الخليجية بعدما ارتفعت نسب التضخم وتراجع عملتها، وأصبحت زعامة أردوغان على المحك.
تعايشت إسرائيل مع إيران عبر وكلائها بعدما أصبحت إيران جارة لإسرائيل، أرادت إيران أن تعترف إسرائيل باحتلال العراق وسوريا ولبنان وتقاسم النفوذ معها في شرق أوسط جديد، كانت تتابع السُّعُودية العِلاقة بين إيران وإسرائيل، ومحاولة تقاسم النفوذ على الأرض العربية، وهو ما يمثل سايكس بيكو ثانية بين إيران وإسرائيل.
هناك حدثت عدد من المتغيرات التي فرضت على السُّعُودية إدارة المنطقة دون الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، خصوصا بعد رفض الولايات المتحدة تحرير الحديدة في 2018، واستبدلته باتفاق استكهولم، ولم يحقق شيئا لليمن، وضرب بقيق في 2019، وبسبب تلك الضربة توقف نصف إنتاج السعودية من النفط، لكن تمكنت السعودية من استعادة كامل الإنتاج في وقت قياسي.
لم تعول السعودية على أمريكا التي كانت ملتزمة بحماية المنطقة تاريخيا، وبشكل خاص منابع النفط، واكتفى ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل آحادي عام 2018 إرضاء للسعودية، ووضع عقوبات مشددة على طهران، وأعلنت كذلك السعودية إذا توصلت طهران إلى قنبلة نووية، ستحصل السعودية عليها فورًا، مما أربك إسرائيل والعالم الغربي، جعله يتحرك بقوة تجاه اتباع خطوات فعلية تجاه نووي إيران، وأعلنت إسرائيل أنها لن تقبل بإيران دولة نووية حتى لا ينتشر السلاح النووي في المنطقة، عندها ستحصل عليه السعودية وتركيا ومصر، وبدأت أوروبا تعلن أنه في عالم يسود الجنون، تصبح الأفعال غير المتوقعة هي القاعدة، ما يضعف فعالية سياسات الردع التقليدي المعتمدة دوليا، ويفتح الباب أمام كوارث نووية، أي أن السعودية حركت العالم وجعلته يستيقظ تجاه خطر لا يهدد فقط المنطقة بل يهدد العالم.
لم تتوقف السعودية عند هذا التهديد، بل اتجهت نحو بحث سبل التهدئة مع طهران، وكانت طهران حريصة أيضا على هذه التهدئة، لأن السعودية تستطيع إقناع أمريكا بتخفيف العقوبات على طهران، ووجدت بكين ضامنا موثوقًا لهذه التهدئة بينها وبين طهران.
هذا التحول الذي أربك أمريكا وإسرائيل في دخول الصين إلى المنطقة الذي يهدد المصالح الأمريكية، بل يمكن أن يساهم في تقليص الهيمنة الأمريكية تحقيقًا لدعوات الصين وروسيا أهمية توجه العالم نحو عالم متعدد الأقطاب، لكن حدوث طوفان الأقصى قلب الموازين، وأعطى إسرائيل والغرب الذريعة للقضاء على محور إيران، وعلى رأسه حزب الله، وإضعاف حماس وتحرير سوريا من إيران.
نتيجة العقوبات الشديدة على إيران، وهناك معطيات دولية مستجدة، فروسيا متورطة في مستنقع أوكرانيا، وضربت من الغرب بشبكة العنكبوت التي لم يسبق لها أن ضربت من قبل بهذا الشكل منذ الحرب في أوكرانيا، على اثرها ضربت قواعد عسكرية في سيبيريا في أقصى شرق روسيا، امتص ترمب غضب بوتين عندما هزأ زيلنسكي في واشنطن أثناء زيارته البيت الأبيض، كذلك توصل ترمب إلى اتفاق تجاري مع الصين.
أصبحت إيران بلا أنياب بعد تآكل أذرعها في المنطقة وبشكل خاص حزب الله رأس الحربة، ولأول مرة منذ أربعين عاما من إرهاب الدولة المنظم والعابر للحدود مخلوعة الأنياب، وتحدث مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران بعد فشل المفاوضات التي أعطى ترمب مهلة 60 يوما، وأن وقت الدبلوماسية انتهى، ولم تصدق طهران أن تباغت إسرائيل القيادات العسكرية والدفاعات الجوية تجهيزا للضربات الأمريكية للمفاعلات النووية الثلاثة الرئيسة فوردو ونطنز وأصفهان بقاذفات B-2 سبيريت قاذفة قنابل خفية، شارك فيها أكثر من 125 طائرة، وتضمنت خِطَّة خداع استخدمت فيها قاذفات فوق المحيط الهادئ كطعم لتضليل الدفاعات الإيرانية، سميت بمطرقة منتصف الليل، وخسرت إيران المعركة منذ اللحظة الأولى التي بدأت منذ 13 يونيو 2025 والضربات الأمريكية في 22 يونيو.
اعتبر ترمب أن الضربات شكلت نجاحًا عسكريًا مذهلًا، وتابع بقوله لا جيش في العالم قادر على تنفيذ ما قمنا به الليلة ولا الاقتراب منه، وهي رسالة للصين وروسيا أن الولايات المتحدة لا زالت القوة العالمية المهيمنة ولم يحن وقت عالم متعدد الأقطاب التي تدعو له الصين وروسيا، وبعد زيارة عراقجي وزير خارجية إيران لروسيا يبدو ان إيران اختارت توجيه ضربات انتقامية لقاعدة العديد في 23يونيو مساء لكن البيت الأبيض أعلن احتواء هذه الضربة ولا يريد حربا مع إيران، وأدانت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لكن ردت إيران أنها لم تستهدف الشقيقة قطر بل استهدفت قاعدة العديد الأمريكية.
بعد ضرب أمريكا المفاعلات النووية يهدد ترمب النظام الإيراني إذا كان عاجزا عن جعل إيران عظيمة مجددًا فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام، ودي فانس نائب الرئيس ترمب صرح بعد ضربة المطرقة للمفاعلات النووية أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع إيران، لكنه يريد سلام من خلال القوة، أدانت السعودية هذه الضربات التي اخترقت السيادة، ولم تدينها روسيا والصين حتى كوريا الشِّمالية فيما اكتفوا بإدانة إسرائيل فقط، تبقى السعودية سيدة المنطقة بلا منازع لا تهدد أحدا بل تدعو الجميع للمشاركة في شرق أوسط أوروبي جديد وفيها إسرائيل بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments