#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
فادي السمردلي
في ظل التغيرات المتسارعة التي نشهدها في العالم في بيئات الأعمال، تبرز الحاجة الملحة إلى أن تنظم منظومات العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، أعمالها وفق رؤى استراتيجية واضحة تهدف إلى التطوير الحقيقي، لا إلى تصفية الحسابات أو تحقيق مصالح آنية ضيقة لأنّ التحول المؤسسي ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية لضمان بقاء المنظمات والمنظومات في بيئة تنافسية لا ترحم، لكن الخطورة تكمن حين يتحول هذا التحول إلى أداة للهدم بدلًا من البناء، وللإقصاء بدلًا من التمكين وهنا تبرز المعضلة الأخطر. حين يتم اتخاذ قرارات إعادة الهيكلة أو التغيير الإداري دون أن تُبنى على أسس علمية واستراتيجية، بل على نزاعات شخصية أو اعتبارات انتقامية تُلبس ثوب الإصلاح زورًا.
إن العمل المؤسسي لا يحتمل العشوائية ولا يقبل الارتجال، بل يستند إلى ركائز متينة من التخطيط، والتحليل، وتقييم الأداء، والتفاعل المنفتح مع التحديات. فالتغيير الحقيقي لا يعني تبديل الأشخاص أو تغيير المسميات الوظيفية فحسب، بل هو عملية شاملة تتطلب إعادة النظر في الرؤية، والرسالة، والأهداف، وآليات العمل، وكل ذلك يجب أن يكون بهدف واحد: رفع كفاءة الأداء وتحقيق الأثر الإيجابي المستدام. أما إذا تم التغيير بدافع تصفية حسابات أو رغبة في فرض سلطة أو تهميش الكفاءات، فإن النتيجة الحتمية ستكون الانحدار إلى بيئة سامة، تفقد فيها العدالة، ويضيع فيها الولاء، وتنطفئ فيها روح المبادرة.
إن كل منظمة تطمح إلى النهوض يجب أن تعي أن التحفيز، والاستثمار في العقول، وبناء فرق العمل على أساس من الكفاءة والعدالة والاحترام، هو الطريق الأمثل للنجاح الحقيقي.
ويجب أن يتحول التخطيط الاستراتيجي من شعارات مفرغة إلى ممارسة يومية واعية، وأن يُدرك القادة أن الإصلاح لا يأتي من فرض السيطرة بل من فتح المجال للمشاركة، والنقد البنّاء، والعمل الجماعي المتناغم. فليكن شعارنا في كل تحوّل: نغيّر لنُطوّر، لا لنهدم، ولنكن حذرين من كل خطوة غير مدروسة تُتخذ باسم الإصلاح وهي في جوهرها تدمير ممنهج يلبس قناع التحديث.
المنظمات التي تنجو وتزدهر ليست هي التي تُجري تغييرات متكررة، بل التي تُحسن صياغة أهدافها، وتستند إلى نوايا صافية، وخطط مدروسة، وتنفيذ رشيد، ومراقبة واعية للنتائج. فالتغيير سنة الحياة، نعم، لكنه إذا لم يُبنَ على أسس راسخة من العدل والاحتراف والنية الصادقة في البناء، فسيكون مجرد فوضى تُنذر بانهيار ما بُني في سنين.
Comments