bah صوت الأجراس لن يسكت، من الكنائس إلى الثورات - مسيحيو الشرق في قلب الوطن والمقاومة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

صوت الأجراس لن يسكت، من الكنائس إلى الثورات - مسيحيو الشرق في قلب الوطن والمقاومة

06/26/2025 - 10:30 AM

Atlas New

 

 

 

 

المسيحيون في الشرق: جذورٌ أصيلة وهويةٌ لا تُختزل بعدد أو حماية

 

 

بيروت – بيروت تايمز – تحقيق للاعلامي جورج ديب

 

المسيحيون في المشرق العربي ليسوا عابري سبيل في صفحات التاريخ، ولا أقلية تبحث عن ملجأ أو حماية من الخارج، بل هم مكوّن تأسيسي متجذر في هذه الأرض منذ فجر المسيحية، رافقوا قيام الحضارات، وشاركوا في صياغة اللغة والثقافة والسياسة والدولة. لم يكونوا يوماً على هامش الحياة، بل في صلبها، مقاومين، رسل، بناة حضارة، صناع فكر، وحماة تراث روحي وإنساني خالد.

من فلسطين إلى العراق، ومن لبنان إلى مصر وسوريا، يختزن المسيحيون رواية الشرق العميقة، ويشكلون حجر الأساس في معادلة التنوع، وضمانة الاندماج الحضاري الذي جعل من هذه المنطقة مهدًا للديانات ومسرحًا للثقافات.

 

من روما إلى أنطاكية: كنائس راسخة في جذور التاريخ

الكنيسة المشرقية سبقت الإسلام في استيطان هذه الأرض بقرون، وساهمت في تعريب اللغة والفكر، ونشرت العلم والفلسفة في المراحل الإسلامية الأولى، بل وأسهمت في النهضة العلمية العربية من خلال الترجمة، الطب، واللاهوت.

في مجمع خلقدونية عام 451م، لعب البابا لاون الأول (الكبير) دورًا محوريًا في بلورة العقيدة المسيحية حول طبيعة المسيح، وهو مجمع شكّل محطة محورية في تاريخ الكنيسة الجامعة، وأدى إلى ولادة انشقاقات لاحقة، أبرزها الكنائس السريانية والأرثوذكسية الشرقية. لكن رغم هذا الانقسام اللاهوتي، حافظت الكنائس الشرقية على صمودها وهويتها، وبقيت تمارس دورها الروحي والوطني في محيط بالغ التحدي.

 

بطاركة شرقيين وقفوا بشجاعة دفاعًا عن المسيحيين في الشرق، وكانوا صوتًا للحق والكرامة في وجه التحديات.

- البطريرك إلياس الحويك: (1899–1931) قاد الوفد اللبناني إلى مؤتمر فرساي عام 1919 وطالب باستقلال لبنان عن السلطنة العثمانية، وكان من أبرز مهندسي إعلان "لبنان الكبير" عام 1920.

- البطريرك أنطون بطرس عريضة: (1932–1955) دافع عن استقلال لبنان خلال الانتداب الفرنسي، ورفض محاولات دمج لبنان بسوريا، وكان من أبرز الأصوات الوطنية في تلك المرحلة.

- البطريرك بولس بطرس المعوشي: (1955–1975) وقف في وجه محاولات تهميش الدور المسيحي في لبنان، ودعا إلى التوازن الوطني والشراكة.

- البطريرك مار أنطونيوس بطرس خريش: (1975–1986) خلال الحرب الأهلية اللبنانية، دعا إلى وقف القتال، ورفض تقسيم لبنان، وكان صوتًا للسلام والوحدة.

- البطريرك مار نصرالله بطرس صفير: (1986–2011) من أبرز المدافعين عن السيادة اللبنانية، أطلق نداء المطارنة عام 2000 الذي مهّد لخروج الجيش السوري من لبنان، وكان رمزًا للمصالحة الوطنية.

- البطريرك ميشيل صباح: (بطريرك القدس للاتين 1987–2008) أول عربي يتولى هذا المنصب، وكان مدافعًا شرسًا عن حقوق الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، في وجه الاحتلال، وداعيًا دائمًا للعدالة والسلام.

- البطريرك غريغوريوس الثالث لحام: (بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك 2000–2017)  عُرف بمواقفه الجريئة خلال الحرب السورية، حيث رفض الهجرة الجماعية للمسيحيين، ودعا إلى الثبات في الأرض، وناشد الغرب بعدم استخدام المسيحيين كورقة سياسية.

- البطريرك عمانوئيل الثالث دلي (بطريرك الكلدان 2003–2012): وقف في وجه العنف الطائفي في العراق، وناشد المجتمع الدولي لحماية المسيحيين، وكان صوتًا للسلام في أحلك الظروف.

 

أصحاب الغبطة والسيادة الحاليون أدوا دورًا بارزًا في حماية المسيحيين والحفاظ على حضورهم في المشرق، وهم:

- الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، الذي يعمل على تعزيز التوازن الوطني والحفاظ على حقوق الطوائف في لبنان.

- البطريرك يوحنا العاشر اليازجي: بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.

- البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني: بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.

- البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي دافع بقوة عن مسيحيي العراق وسوريا، وندد بالصمت الدولي تجاه معاناتهم، خاصة بعد اجتياح داعش للموصل وسهل نينوى.

- البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك.

- كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، كريكور بدروس العشرون.

- البطريرك آرام الأول كيشيشيان: بطريرك الأرمن الأرثوذكس

- الكاردينال لويس روفائيل ساكو: بطريرك بابل على الكلدان في العراق.

- البطريرك مار آوا الثالث: بطريرك كنيسة المشرق الآشورية.

- الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: بطريرك اللاتين في القدس.

- البطريرك إبراهيم إسحاق سدراك، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك.

- بالإضافة إلى دور البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط الأرثوذكس في مصر، الذي كان صوتًا وطنيًا في مواجهة التحديات، حامياً لمجتمعه ومشاركًا في بناء الوحدة الوطنية.

هؤلاء البطاركة لم يكونوا مجرّد رؤساء كنسيين، بل كانوا قادة روحيين وزعماء وطنيين حملوا همّ شعوبهم في قلب العاصفة، فثبّتوا الكنيسة حين كانت تُقصف، ورفعوا راية الكرامة حين حاولت الأنظمة والاحتلالات طمس الهويّة. جسّدوا دور الراعي الحقّ، الذي لا يهرب عند الخطر، بل يمكث مع رعيّته، يقودها بالصلاة والموقف، وبالإنجيل في يد، والكرامة الوطنية في اليد الأخرى.

كانوا ملح الأرض ونور المشرق، وكتبوا بفصول نضالهم فصلًا خالدًا من فصول البطولة الروحية والتاريخية، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الشهادة، ولا راية تُرفع فوق راية الإنسان وحقه في الحياة والحرية والعدالة.

 

لبنان: المسيحيون ركيزة الكيان وضامن التوازن

في لبنان، المسيحيون ليسوا جزءًا من تاريخ الدولة، بل من هندستها. هم من صاغوا مفهوم "الكيان اللبناني المستقل" عام 1943 في إطار الميثاق الوطني، الذي يقوم على شراكة لا غالب ولا مغلوب. قدّموا من نخبتهم زعماء ومفكرين كشارل مالك، فؤاد شهاب، كمال ديب، وكميل شمعون. كما شاركوا بفعالية في الدفاع عن السيادة من الاحتلالات المتعددة، بدءًا من الاحتلال الفلسطيني، مرورًا بالسوري، وصولًا إلى الإسرائيلي.

الكنيسة المارونية، بأديرتها العتيقة المنتشرة على سفوح قُطّين وكسروان وجبال لبنان، لم تكن فقط مؤسسة روحية، بل مركز مقاومة ثقافية وسياسية. حافظت على اللغة السريانية، وعلى طقوس المشرق، وعلى استقلالية القرار اللبناني في مواجهة كل وصاية.

 

سوريا: مسيحيون في قلب العروبة والسيادة

في سوريا، المسيحيون من أقدم السكان، يعود وجودهم إلى العهد الرسولي، حين دُعي بولس في طريقه إلى دمشق. المسيحيون السوريون لعبوا أدواراً فكرية بارزة في عصر النهضة. كان منهم ميشال عفلق مؤسس حزب البعث، وقسطنطين زريق منظر العروبة الثقافية، وجرجي زيدان مؤسس "الهلال" الأدبية.

رغم ما عانوه خلال الحرب السورية من تهجير ودمار، لا سيما في مناطق مثل معلولا، صدد، والقريتين، بقيت رسالتهم صامدة. رفضوا النزوح رغم الاستهداف الإرهابي، وتمسكوا بالبقاء في مدنهم وقراهم. الكنائس السورية، خصوصًا السريانية والأنطاكية، بقيت منارات روحية وثقافية، تؤكد أنّ المسيحية ليست "موروثاً غربياً"، بل مكوّناً مشرقياً أصيلاً.

 

دمشق: استهداف كنيسة مار إلياس وصمود لا ينكسر

في قلب العاصمة السورية، تعرضت كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق إلى اعتداء إرهابي دامٍ مؤخراً، حيث نفّذ تنظيم داعش هجومًا مسلحًا استهدف المصلين والمرابطين داخل الكنيسة، ما أسفر عن سقوط ضحايا وإصابات عدة. هذا الاعتداء ليس حدثًا منعزلاً، بل يأتي في سياق موجة متصاعدة من العنف التي تستهدف المسيحيين في سوريا منذ بداية الحرب.

رغم هذا الاستهداف المتكرر، أظهر المسيحيون السوريون، مع إخوتهم من باقي الطوائف، قدرة على الصمود والتماسك، مؤكدين أن كنائسهم ليست فقط أماكن عبادة، بل رموز صمود وتاريخ حضاري عريق. إن استهداف مثل هذه الأماكن المقدسة يهدف إلى تقويض النسيج الوطني السوري، لكن المسيحيين يرفضون الخضوع لهذا التهديد، ويدعون إلى وحدة وطنية وصمود مشترك في وجه الإرهاب.

هذا الاعتداء يؤكد ضرورة الاعتراف بدور المسيحيين كمكوّن أساسي من مكونات الشعب السوري، وحمايتهم كجزء لا يتجزأ من هوية سوريا وتاريخها، لا أقلية هامشية.

 

 

فلسطين: المسيحيون في قلب النضال الوطني

في أرض فلسطين، حيث وُلد السيد المسيح ومشى على ترابها، لا يزال المسيحيون الفلسطينيون يشكّلون جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، متمسكين بجذورهم التاريخية والروحية، رغم ما يتعرضون له من تهجير قسري، وتضييق ممنهج، ومحاولات تهويد تطال الأرض والهوية والمقدسات.

الكنائس الفلسطينية ليست مجرد معالم دينية، بل شواهد حية على عمق الحضور المسيحي في هذه الأرض. من كنيسة المهد في بيت لحم، التي تُعد أقدم كنيسة في العالم المسيحي، حيث يُعتقد أن المسيح وُلد، إلى كنيسة القيامة في القدس، التي تحتضن القبر المقدس، وتُعد من أقدس المواقع المسيحية عالميًا، ظلّت هذه الكنائس رموزًا للصمود، رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة لتقييد الوصول إليها، خاصة خلال الأعياد والمناسبات الدينية.

لكن الحضور المسيحي في فلسطين لم يكن يومًا دينيًا فقط، بل كان وطنيًا مقاومًا بامتياز. فقد برزت شخصيات مسيحية لعبت أدوارًا محورية في مقاومة الاحتلال، سياسيًا وميدانيًا:

- المطران إيلاريون كبوجي، مطران الروم الكاثوليك في القدس، تحوّل إلى رمز للمقاومة، حين استخدم سيارته الدبلوماسية لتهريب السلاح إلى الفدائيين الفلسطينيين في السبعينيات. اعتقلته سلطات الاحتلال عام 1974، وحكمت عليه بالسجن 12 عامًا، قبل أن يُفرج عنه بوساطة الفاتيكان. لم يتوقف بعد الإفراج عنه، بل واصل نضاله من المنفى، وشارك في أسطول الحرية لكسر حصار غزة عام 2010.

- الأب مانويل مسلم، راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقًا، وأحد أبرز الأصوات المسيحية المدافعة عن المقاومة، عُرف بمواقفه الجريئة في وجه الاحتلال، وبدعواته المتكررة للوحدة الوطنية. قال عبارته الشهيرة: "إذا هدموا مساجدكم، ارفعوا الأذان من كنائسنا"، في إشارة إلى وحدة المصير بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين.

المسيحيون لم يكونوا على هامش المشروع الوطني الفلسطيني، بل كانوا في صلبه. فقد شاركوا في صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني، وكانوا جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، ممثلين في لجنتها التنفيذية، ومن أبرزهم جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحنا عميرة، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة.

رغم التحديات، لا يزال المسيحيون الفلسطينيون متمسكين بأرضهم، وبحقهم في الوجود والكرامة، رافضين أن يُختزل حضورهم في طابع ديني فقط، بل مؤكدين أنهم شركاء في المعاناة، كما في البناء الوطني.

 

العراق: نزيف مستمر وصمود تاريخي

العراق، مهد الحضارات، كان يضمّ أحد أكبر التجمعات المسيحية في الشرق. من نينوى إلى كركوك والموصل، عاش المسيحيون بسلام حتى الاحتلال الأميركي عام 2003، وما تبعه من فوضى أمنية سمحت بصعود الجماعات المتطرفة.

تنظيم داعش دمّر الكنائس، هجّر الآلاف من العائلات، وارتكب جرائم بحق السريان والكلدان والآشوريين. ومع ذلك، لم يستسلم المسيحيون، بل تمسّكوا بأرضهم، وأعادوا بناء قراهم، وشكّلوا لجان حماية أهلية. ولا تزال مؤسساتهم التربوية والصحية قائمة، تقدم خدمات لكل مكونات المجتمع، تأكيدًا لدورهم كعنصر بناء لا ضحية.

 

مصر: الأقباط في صلب الدولة والمجتمع

الأقباط، أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، هم أقدم طائفة مسيحية متواصلة في العالم، تعود جذورهم إلى القديس مرقس الإنجيلي في الإسكندرية. يشكّلون نحو 10% من سكان مصر، ويلعبون دوراً جوهرياً في الحياة الوطنية والسياسية والاجتماعية.

من ثورة 1919، حينما تعانقت الصلبان مع الهلال تحت شعار "الدين لله والوطن للجميع"، إلى ثورة 25 يناير، كان الأقباط في الطليعة. وقدّمت الكنيسة بقيادة البابا شنودة الثالث نموذجاً وطنيًا في التوازن بين التمسك بالهوية والانخراط في الدولة، رافضة كل أشكال الطائفية أو العزلة.

ورغم استهدافهم المتكرر – في تفجيرات الكاتدرائية البطرسية، وكنائس طنطا والإسكندرية – أصرّ الأقباط على التمسك بوحدتهم الوطنية، وصمدوا في وجه الفتن.

 

الأردن: شراكة وطنية وهوية مشرقية

في الأردن، لا يُعدّ المسيحيون طارئين على الهوية الوطنية، بل هم جزء أصيل من نسيج الدولة والمجتمع، منذ نشأتها الحديثة. يعود الحضور المسيحي في البلاد إلى العهد النبوي وما بعده، وتُعدّ الكنائس في مدينة مادبا، الفحيص، الكرك، والزرقاء من أقدم الحواضر الدينية.
يحظى المسيحيون الأردنيون بحقوق مدنية ودينية متقدمة نسبيًا، ويشاركون بفعالية في الحياة السياسية والبرلمانية والإدارية، كما يمثَّلون في مجلس الأعيان والوزارات، ويمارسون شعائرهم بحرية كاملة.
العلاقة بين الكنيسة والدولة تتسم بالتعاون والاحترام، في ظل دعم واضح من العائلة الهاشمية التي تحرص على حماية الأماكن المقدسة في القدس، وتؤكد دوماً على أهمية الدور المسيحي في حماية الإرث الديني العربي.
كما يبرز الأردن كنموذج للتآخي الإسلامي–المسيحي، من خلال مبادرات الحوار والانفتاح التي يقودها الملك عبد الله الثاني، والتي رسخت صورة الأردن كحاضنة للتنوع الديني والتسامح.

 

السودان وجنوب السودان: صمود في وجه الاضطهاد والانقسام

في السودان، ورغم التعقيدات السياسية والدينية التي مرّ بها البلد، حافظ المسيحيون – خصوصًا في الجنوب ومنطقة جبال النوبة – على وجودهم، رغم الاضطهادات والتهميش في فترات الحكم الإسلامي المتشدد.
مع استقلال جنوب السودان عام 2011، أصبح للمسيحيين الغالبية العددية في الدولة الجديدة، لكنهم ما زالوا يواجهون تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، إضافة إلى ضعف البنية التحتية الدينية والتنموية.
الكنائس في كل من الخرطوم، جوبا، ملكال، وواو، بقيت شعلة أمل رغم الحرب، وأسهمت في المصالحات الأهلية، وفي تقديم خدمات إنسانية وتعليمية وصحية للفقراء، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.
في جنوب السودان، يشكّل المسيحيون نواة الهوية الوطنية الناشئة، لكنهم ما زالوا يناضلون من أجل ترسيخ مفاهيم الديمقراطية والعدالة، وسط صراعات داخلية لا تزال تعيق السلام الدائم.

 

دول الخليج: كنائس المغتربين وصوت الإيمان في قلب الحداثة

في دول الخليج العربي، يشكل المسيحيون غالبية دينية غير مواطنة، إذ إن معظمهم من الوافدين الأجانب والعرب المغتربين، خصوصًا من لبنان، مصر، الهند، الفلبين، وسوريا.
تنتشر الكنائس في الإمارات والبحرين والكويت وقطر وعُمان، حيث يُسمح لهم بممارسة شعائرهم في كنائس مرخّصة ضمن مناطق مخصصة. وقد سعت بعض الدول الخليجية في السنوات الأخيرة إلى تشجيع التسامح الديني، وفتحت المجال أمام بناء كنائس جديدة، أبرزها "كنيسة القديس فرنسيس" في أبو ظبي، ضمن "بيت العائلة الإبراهيمية".

رغم أن الحضور المسيحي في الخليج يفتقد للجذور التاريخية المشرقية كما في بقية دول المنطقة، إلا أن للمغتربين دور مهم في دعم الحضور المسيحي العربي، والحفاظ على الطقوس والهوية في أرض بعيدة ثقافيًا عن المشرق.
تشكّل هذه الكنائس منصات للقاء الطوائف المختلفة، وتمارس دورًا رعويًا واجتماعيًا وروحيًا، يؤكد أن المسيحية ليست دينًا منزويًا، بل رسالة عابرة للحدود، تنبع من الشرق وتصل إلى العالم.

 

أكثر من أقلية: رسالة ودور وركيزة حضارية

في كل هذه الأوطان، المسيحيون ليسوا مجرد "أقلية عددية" بل "قيمة نوعية". لا يحتاجون لحماية دولية، بل لتكريس دورهم الطبيعي في أوطانهم. هويتهم المشرقية ليست مستوردة من الغرب، بل هي أصيلة كأجراس كنائسهم، التي ما زالت تقرع رغم المحن.

إن حضورهم هو الضمانة الوحيدة لبقاء التعددية في الشرق، ولديمومة الانفتاح والاعتدال، ولتوازن الهويات المتشابكة في هذه المنطقة الحساسة.

 

صوت الأجراس لن يسكت

في زمن الحروب والتهجير والضغوط السياسية والاقتصادية، يبقى صوت المسيحيين في المشرق صوتًا حيًّا، لا يُقهر. هم أبناء الأرض، لا طارئون عليها. وكما كانوا شركاء في تأسيس أوطانهم، سيكونون شركاء في إعادة إعمارها، وفي صياغة مستقبلها.

فليُسمع صوت الكنائس، لا كاستغاثة، بل كإعلان إيمان بالحياة، وقوة رسالة، واستمرار للنبض الحضاري الذي لن ينقطع، ما دامت الأجراس تقرع، وما دامت جذورهم ضاربة في تراب هذا الشرق، حتى الرمق الأخير.

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment