bah اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب - العراق بين النصوص القانونية وواقع الانتهاكات نصوص تجرّم… وممارسات تنتهك - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب - العراق بين النصوص القانونية وواقع الانتهاكات نصوص تجرّم… وممارسات تنتهك

06/26/2025 - 17:04 PM

بيروت

 

 

الدكتورة ضحى الطالباني *

 

26 حزيران/يونيو “اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب”، وهو يوم خصصته الأمم المتحدة لتجديد الالتزام العالمي بمناهضة جميع أشكال التعذيب، وتقديم الدعم للضحايا في مختلف أنحاء العالم. ويأتي هذا اليوم ليذكّر العالم بمعاناة آلاف الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب، جسديًا ونفسيًا، وتكريمًا للضحايا الذين ما زالوا يعانون آثارها الجسدية والنفسية. ورغم وجود نصوص قانونية دولية ومحلية تُجرّم التعذيب، إلا أن الواقع في بلدان عدّة، من بينها العراق، لا يزال يُظهر فجوة عميقة بين التشريعات والممارسات.

لطالما كان العراق، منذ عقود، مسرحًا لانتهاكات حقوق الإنسان، ولا سيما التعذيب الذي مورس في السجون ومراكز الاحتجاز، سواء في ظل النظام الدكتاتوري السابق أو في فترات ما بعد الاحتلال والاضطرابات السياسية والأمنية. فقد تعرض آلاف العراقيين، رجالًا ونساءً وحتى أطفالًا، إلى التعذيب أثناء الاعتقالات التعسفية أو خلال التحقيقات بهدف انتزاع اعترافات بالقوة.

رغم أن الدستور العراقي يجرم التعذيب وينص على احترام الكرامة الإنسانية، إلا أن الواقع لا يزال يشهد خروقات واسعة، بدءًا من سوء معاملة المحتجزين، مرورًا بالتعذيب الجسدي والنفسي، ووصولًا إلى غياب المحاسبة الحقيقية لمن ينتهكون هذه الحقوق.

أولًا: الإطار القانوني الدولي لمناهضة التعذيب

1- ١تفاقية مناهضة التعذيب

صادقت جمهورية العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة بموجب القانون رقم (30) لسنة 2008. وتُلزم الاتفاقية الدول الأطراف بما يلي:

• تجريم التعذيب بشكل واضح في القانون الوطني.

• ضمان التحقيقات المستقلة في الشكاوى.

• تقديم التعويض وإعادة التأهيل للضحايا.

• منع الإعادة القسرية للأشخاص إلى أماكن قد يتعرضون فيها للتعذيب.

• تجريم التعذيب في قوانينها الوطنية.

• ضمان أن تكون جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم.

• منع الإعادة القسرية لأي شخص إلى بلد يُحتمل أن يتعرض فيه للتعذيب.

• التحقيق الفوري والمحايد في ادعاءات التعذيب.

• ضمان التعويض ورد الاعتبار للضحايا.

لكن ورغم مرور أكثر من 15 عامًا على هذه المصادقة، لا يزال العراق يفتقر إلى قانون وطني خاص بمناهضة التعذيب، يُعرّف الجريمة وفقًا للمعايير الدولية ويوضح العقوبات والمسؤوليات المؤسسية.

2 ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

يعد العراق طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي ينص في المادة 7 على أنه:

“لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.”

ثانيًا: الإطار القانوني الوطني لمناهضة التعذيب

رغم أن الدستور والقوانين العراقية تتضمن مواد واضحة ضد التعذيب، فإن الواقع العملي يشير الى وجود ضعف وفجوات كبيرة.

1.               الدستور العراقي (2005)

رغم أن الدستور العراقي لسنة 2005 يُجرّم التعذيب صراحة في مادته (37 أولًا – ج)، وينص على أن “يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية… ولا يُعتد بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب.”

إلا أن التقارير الحقوقية الصادرة عن منظمات دولية ومحلية لا تزال توثق حالات تعذيب في مراكز احتجاز تابعة لمؤسسات أمنية مختلفة وتشير الى انه في معظم الحالات، لا يُحاسب المرتكبون، بل تُغلق الملفات، ويبقى الضحية في صمت طويل، بحسب تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية.

2. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969

• تنص المادة 333 تنص على معاقبة كل موظف أو مكلف بخدمة عامة يعذب متهمًا أو شاهدًا لإجباره على الاعتراف أو الإدلاء بمعلومات.

3. قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971

• ينص على بطلان أي اعتراف يتم انتزاعه تحت الإكراه.

لكن رغم هذه المواد، لا يزال هناك غياب لقانون خاص وشامل يُعرّف التعذيب بوضوح وفق المعايير الدولية، ويوضح آليات المساءلة والجبر والتعويض.

ثالثًا: واقع التعذيب في العراق

1. انتهاكات متكررة في مراكز الاحتجاز

تقارير أممية ومنظمات محلية كـ “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” تشير إلى أن التعذيب لا يزال يُمارس في العديد من مراكز الاعتقال، خصوصًا أثناء التحقيقات الجنائية وقضايا الإرهاب. يشمل التعذيب:

• الضرب الشديد.

• الصدمات الكهربائية.

• التعليق والحرمان من النوم.

• التهديد بالعنف ضد أفراد العائلة.

2. الإفلات من العقاب

نادرًا ما تتم محاسبة مرتكبي التعذيب من ضباط أو محققين، بسبب:

• ضعف الرِّقابة القضائية.

• الخوف من تقديم الشكاوى.

• غياب الحماية القانونية للضحايا والشهود.

رابعًا: التحديات القانونية والمؤسساتية

1. غياب قانون خاص بالتعذيب رغم الالتزام الدولي، لا يزال العراق يفتقر إلى قانون موحد لتعريف وتجريم التعذيب بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة.

2. ضعف الآليات الرقابية المستقلة حيث ان اللجان التفتيشية التي تزور السجون غالبًا ما تكون تابعة لجهات حكومية، ما يضعف استقلاليتها. كما أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية تعاني من نقص التمويل والاستقلالية.

3. غياب برامج إعادة التأهيل لضحايا التعذيب حيث لا توجد برامج وطنية شاملة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي لضحايا التعذيب، ولا يتم توفير التعويضات بشكل منتظم.

خامسًا: توصيات ومطالب

في هذا اليوم الدولي، ينبغي على العراق اتخاذ خطوات ملموسة نحو إنهاء ظاهرة التعذيب، ومنها:

1. تشريع قانون خاص بالتعذيب وفقًا لتعريفات اتفاقية الأمم المتحدة.

2. إنشاء آليات مستقلة للتحقيق في ادعاءات التعذيب، وضمان محاسبة المسؤولين.

3. إصلاح نظام السجون بما يضمن احترام كرامة الإنسان.

4. تعزيز دور القضاء وتدريب القضاة والمحققين على مبادئ حقوق الإنسان.

5. توفير الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لضحايا التعذيب، وضمان حقهم في التعويض.

 

*أستاذة القانون الدولي الجامعة العراقية

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment