bah من أمين الجميّل إلى جوزاف عون: بين الاحتلال والعدوان… الرئاسة في قلب معركة الكيان - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

من أمين الجميّل إلى جوزاف عون: بين الاحتلال والعدوان… الرئاسة في قلب معركة الكيان

06/27/2025 - 15:05 PM

بيروت

 

 

 

الاعلامي كريم حداد

 

في 11 آب 1984، وقف الرئيس أمين الجميّل على منبر الوطن المنهار ليقول عبارته الشهيرة:

“لبنان يحتضر… ولا ينقذنا إلا أنفسنا. لا يمكن لفريق أن يلغي الفريق الآخر. أي انتصار لفريق على آخر هو انتصار على لبنان.”

واليوم، بعد أربعين عامًا، ومع انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون في 9 كانون الثاني 2025 رئيسًا للجمهورية اللبنانية، يعود المشهد الوطني إلى لحظة تشبه تلك، وإن اختلفت الظروف، حيث العدوان الإسرائيلي يتجدّد، والانقسام الداخلي يتعمّق، والرئاسة تُستهدف مجددًا لأنها تحاول النجاة بالدولة في زمن الانهيار.

الجميّل والرئاسة في زمن الاحتلال

حين تولّى الرئيس أمين الجميّل رئاسة الجمهورية عام 1982، كان لبنان يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، وخرائطه موزّعة بين عواصم القرار الإقليمي والدولي، ودولته مكسورة بين ميليشيات وجبهات، وجيشه محاصر بالانقسام والضعف.

واجه الجميّل هذا الواقع بإرادة الإنقاذ، لا بترف الحكم. تحمّل مسؤولية إعادة بناء الدولة، ووقف في وجه الجميع، مدافعًا عن وحدة الكيان. كانت مغامرته الإنقاذية أكبر من أدواته، لكنها بقيت صرخة دولة في وجه جنون الفوضى.

جوزاف عون والرئاسة في زمن العدوان

الرئيس جوزاف عون لم يرث دولة قوية. بل جاء إلى بعبدا بعد أكثر من عامين من الفراغ، وفي ذروة عدوان إسرائيلي على الجنوب، وانقسام داخلي سياسي، وانهيار اقتصادي واجتماعي شامل.

انتُخب بتوافق وطني واسع، لم يأتِ من منطق الصفقات ولا من رحم المحاور. لكنه ما إن تسلّم مهماته، حتى بدأت حملات التشويه والافتراء، لا لأنه ارتكب خطأ، بل لأنه اختار نهج العقل والاتزان، ورفض الانجرار إلى صدام داخلي لا تُحتمل كلفته.

بين زمنين: الثبات على خيار الدولة

ما جمع بين الرئيسين أمين الجميّل وجوزاف عون، هو موقع الرئاسة في لحظة الاضطراب الكبير. كلاهما واجه عدوانًا خارجيًا وبيئة داخلية مأزومة، وقرر أن يحمي الدولة لا أن يحتمي بالطائفة أو الخارج.

 • الأول قال: “الإنقاذ بالإكراه”،

 • والثاني يواجه اليوم “الإنقاذ بالتعقّل والمواجهة الهادئة”.

لكن في الحالتين، كانت الرئاسة مستهدفة، لا لضعفها، بل لقوتها حين تخرج عن التبعية وتعيد تعريف القرار الوطني.

لماذا يُهاجَم الرئيس؟

منذ انتخابه، سارع بعض الإعلاميين والسياسيين إلى وصف جوزاف عون بـ”الرئيس الضعيف”، لأنه لم يرفع صوته بالشعارات، ولم يُدخل البلاد في مواجهة عبثية مع “حزب الله”، أو مع أي مكوّن لبناني.

لكن الحقيقة أن الرئيس اختار حماية وحدة الدولة على حساب شعبية آنية. رفض أن يكون طرفًا، وتمسّك بالدستور والمؤسسات.

تمامًا كما هوجم الرئيس أمين الجميّل لأنه حاول فرض منطق الدولة على دويلات الطوائف، يُهاجَم جوزاف عون اليوم لأنه يرفض تحويل الرئاسة إلى منبر للتصفية أو التصعيد.

الرئاسة: من منصب إلى مقاومة وطنية

الرئيس في لبنان، حين يمارس دوره الوطني، يتحوّل من مجرّد منصب إلى موقع مقاومة سياسية ومعنوية.

 • في زمن الجميّل، هوجم لأنه تصدّى للاحتلال وللفوضى،

 • وفي زمن الرئيس عون، يُهاجم لأنه يحاول إعادة الدولة إلى مسار الاستقرار، في وجه مشروع التفكك والانهيار.

الرئاسة ليست دمية في يد التحالفات المتبدّلة، ولا مرآة تظهر مِزَاج اللحظة. إنها الموقع الوحيد المتبقي الذي يمكنه أن يمثّل الدولة، لا الغلبة.

خاتمة: لا دولة دون رأس… ولا إنقاذ دون تضحية

كما قال الرئيس الجميّل: “لبنان لا يُنقذ إلا من نفسه، ومن وحدة أبنائه.”

وكما يكرّس اليوم الرئيس جوزاف عون، بخياره السيادي المتوازن، أنّ الحفاظ على الدولة أصعب من قيادة حرب.

في زمن يسهل فيه التهليل للدمار، ويُكافأ فيه المحرّض، اختار الرئيس جوزاف عون أن يكون حجر اتزان، لا نار فتنة.

فهل آن الأوان أن نفهم، أن استهداف الرئاسة ليس إلا استهدافًا لما تبقى من الوطن؟

وأن من يهاجم رئيسًا وطنيًا لأنه لم يُشعل النار، يُشبه من صلب أمين الجميّل لأنه حاول إخمادها؟

لبنان اليوم على مفترق جديد. والرهان الحقيقي:

هل نستمرّ في اغتيال الرئاسة معنويًا، أم نمنحها فرصة إنقاذ الكيان قبل فوات الأوان؟

 
 
 
 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment