فادي زواد السمردلي
في ظل ما يعيشه الأردن من ضغوطات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة، لا تزال منظومة الإصلاح السياسي تدور في حلقة مفرغة، محكومة بالتحفظ والخطوات المترددة وبينما يبدو أن هناك خطوات تشريعية نحو التغيير كقانوني الانتخاب والأحزاب لعام 2022 إلا أن الواقع يشي بأن الفعل الحزبي أقرب إلى إدارة الأزمة منه إلى قيادتها.
السبب الجوهري؟ غياب القائد الحزبي الحقيقي، فذاك الذي نشاهده يتصدر الواجهة يتقن بلاغة الشعارات، لكنه يفتقر إلى الرؤية والمشروع والقدرة على التجميع والتأثير وفي بعض أحزابنا، تُدار الأمور بعقلية العلاقات لا بعقلية المؤسسات، فيُقدَّم الولاء على الكفاءة، ويُعاد تدوير نفس الوجوه التي فقدت منذ زمن القدرة على الإلهام أو المبادرة.
القيادات الحزبية في بعض الأحزاب اليوم تُشبه إلى حد بعيد واجهات شكلية، عاجزة عن خلق خطاب سياسي جامع أو تفعيل المشاركة الشعبية، فتُنتج نخباً مرتبكة لا تملك مشروعاً سياسياً ولا تصوراً لماهية التغيير المطلوب لإنها قيادات محكومة بالتفاهمات لا بالمنافسة، وبالتوريث السياسي لا بالشرعية الشعبية.
المشكلة ليست في النصوص بقدر ما هي في النفوس فحتى أفضل القوانين تفقد أثرها إن طُبّقت من قِبَل قيادات لا تؤمن بها أو لا تفهمها وهكذا تجد أن الانتخابات تُنتج نخباً هشّة، والأحزاب تتحول إلى دوائر مغلقة، والمجتمع يعزف أكثر فأكثر عن الانخراط في الشأن العام.
البرلمان، وهو انعكاس مباشر للأحزاب، يعاني من ضعف في الأداء التشريعي والرقابي أما الأحزاب التي يُفترض أن تُعِدّ قيادات للمستقبل، فقد تحوّلت في معظمها إلى تجمعات إدارية هامدة، مشغولة بتقاسم المواقع لا بتقديم بدائل ولهذا لا عجب أن تكون النتيجة فراغاً سياسياً حقيقياً، وغياباً شبه تام لقيادات مؤثرة في وجدان الناس.
في ظل هذا المشهد، يغدو التغيير حلماً مؤجلاً، لأن من يُفترض أن يقوده "القيادات الحزبية " هم أنفسهم جزء من الأزمة، لا من الحل فكيف يمكن لحزب أن يطالب بالإصلاح وهو يرفض أن يُصلح ذاته؟ وكيف لقيادة أن تبني مشروعاً وطنياً وهي عاجزة عن إدارة اجتماع داخلي أو صياغة خطاب موحّد؟ فتعمل على توزيع المراكز والمناصب بكولسات داخلية لمن يقول لهم "إبشر" ولمن"يبصم"
المطلوب اليوم ليس فقط إصلاحاً قانونياً، بل نهضة فكرية داخل العمل الحزبي، تبدأ من الاعتراف بأننا بحاجة إلى قيادات فعلية وحقيقية، تنتمي إلى هذا الزمن، وتُعبّر عن واقع الناس وتطلعاتهم. قيادات تمتلك الجرأة لتجديد نفسها، والخروج من منطق الولاءات إلى منطق الكفاءة، ومن أسر الشخصيات إلى منطق البرامج.
ما لم نبدأ من هنا، ستظل كلمة "الإصلاح" مجرد ديكور سياسي، وسيبقى المواطن يشعر بأن التغيير بعيد، لأن من يتصدر المشهد لا يريد أن يتزحزح إن احتضار بعض القيادات الحزبية هو جزء من احتضار المنظومة السياسية بأكملها، والإنقاذ يبدأ من لحظة الاعتراف بأن من يقود المرحلة لا يصلح لصناعة المستقبل.
آن الأوان أن نعيد تعريف القيادة، لا بمنطق الموقع، بل بمنطق التأثير فالأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بمن يملك الرؤية ويؤمن بالفعل.
Comments