بيروت – بيروت تايمز – جورج ديب
تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت موجة نزوح جماعي متسارعة، في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية للبنان وتزايد التوترات الإقليمية، لا سيما بعد الضربة العسكرية الأخيرة التي وجّهتها إسرائيل إلى الداخل الإيراني. المشهد يعيد إلى الأذهان أيام الاجتياح والحروب الماضية، لكن هذه المرة، النزوح يتم بصمت، ومن دون قذائف أو إنذارات.
هجرة صامتة...
في أحياء لطالما عُرفت بصمودها، تسود اليوم أجواء من القلق المكبوت. أبواب تُغلق، شاحنات أثاث تجوب الشوارع، وعائلات تغادر يوميًا. مصادر محلية تشير إلى أن المئات نزحوا فعلًا خلال الأسابيع الماضية، فيما تتحدث تقارير عن ارتفاع غير مسبوق في الطلب على الشقق في مناطق مثل المتن، بعبدا، عاليه، والشويفات.
الإيجارات تقفز 300%
وفق تقارير عقارية، ارتفعت أسعار الإيجارات في بعض المناطق بنسبة تجاوزت 300% خلال عام واحد. العقود تُوقّع غالبًا لسنة كاملة تُدفع سلفًا، وسط منافسة محتدمة بين العائلات الباحثة عن ملاذ آمن. يقول أنطوان أبو خاطر، أحد سكان الحازمية: "الطلب غير مسبوق. الناس تدفع مسبقًا وتتسابق على الشقق، خصوصًا من الضاحية. الأمر ليس موسميًا، بل يبدو وكأنه نزوح حقيقي".
ورغم الهدوء النسبي في شوارع الضاحية، فإن القلق يطغى على النفوس. كثيرون لا يثقون بتطمينات السياسيين أو مسؤولي "حزب الله"، الذين يؤكدون استمرار "الجهوزية والمواجهة". تقول سيدة نزحت إلى منطقة عاليه: "لا نريد أن نكون ضحية عناد سياسي. نريد فقط أن نحمي أولادنا، وننام دون أن نخاف من غارة مفاجئة".
أزمة محلية بجذور إقليمية
الضربة الإسرائيلية الأخيرة داخل إيران، التي استهدفت منشآت نووية ومراكز قيادة، أعادت رسم مشهد المواجهة في المنطقة. تقارير استخباراتية إسرائيلية تحدثت عن احتمال توسيع العمليات لتشمل لبنان، ما دفع "حزب الله" إلى رفع مستوى الجهوزية.
حَسَبَ تحقيق نشره موقع "جنوبية"، فإن النزوح من الضاحية لا يقتصر على الانتقال المؤقت، بل يشمل أيضًا بيع عقارات والانتقال إلى مناطق بعيدة عن نفوذ "حزب الله"، مثل عاليه وبشامون والناعمة. ويشير التقرير إلى أن بعض العائلات تعتبر هذا النزوح "تحوّلًا في الانتماء الجغرافي والسياسي"، لا مجرد ردة فعل أمنية.
احتكار الإيجارات
تشهد السوق العقارية حالة من الفوضى، حيث يُطلب من المستأجرين دفع 6 أشهر سلفًا، وَسَط غياب الرِّقابة الرسمية. في بعض المناطق، وصل إيجار شُقَّة من غرفتين إلى 800 دولار شهريًا، مقارنة بـ250 دولارًا قبل عام.
الضاحية الجنوبية، التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي عام 2006، تشهد اليوم موجة نزوح مختلفة: نزوح لا تسبقه الانفجارات، بل يسبقه الخوف، ويغذّيه القلق الشعبي، وتؤجّجه السياسات المغلقة. في ظل غياب أي أفق سياسي واضح، يبدو أن شبح الحرب – وإن لم يُعلن – بدأ يُفرغ الشوارع من سكانها، واحدًا تلو الآخر.
بيروت تايمز تتابع التطورات الميدانية والمعيشية لحظة بلحظة، في تغطية خاصة لمشهد التحوّل الجاري في الضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق الساخنة...
Comments