بسام ن ضو *
إعتمدتْ عنوانًا لهذه المقالة يقينًا منّي أن مجمل القرارات المصيرية غالبًا ما تكون على حساب الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية، لا بل تكون مجمل القرارات الصادرة عن الجهات الإقليمية والدولية نتيجة قصر نظـر المسؤولين اللبنانيين وضعفهم وعدم قدرتهم على ممارسة سياسة شريفة نبيلة تهتم بشؤون الجمهورية والشعب.
هـذا الوطن "لبنان " الذي أحببناه ودافعنا عن كل سيادته ورفضنا رفضًا قاطعًا أن تُجتزأ أو تُحتّلْ من الجيوش التي تتاخم حدودنا، هذا الوطن الذي نحِّبْ ونقدِّسْ ترابه ونعطيه كل ما نعطيه من جهد وزخـم وهو جــزء لا يتجزّأ من محيطه اللبناني العربي الدولي، كما هو بالنسبة لكل الباحثين ومراكز الأبحاث المحلية والإقليمية والدولية في تفاعـل مستمّرْ مع ما يحدث في دول المنطقة وهو بوصلة الحلول ورسالة حرية وعنفوان.
في كل دول العالم يتُّم إختيار المسؤولين بطرق ديمقراطية صرفة وهذا الأمر هو من البديهيات الوطنية في الأوطان المستقلّة والتي تحترم الأصول الديمقراطية. في كل مناسبة يُبحث عن قرار يُصنع على أيدي من هم خارج الحلبة السياسية اللبنانية، والحـل الذي يُعتمد يضمن للأطراف اللاعبة على المسرح السياسي اللبناني مصالحها على حساب المصلحة اللبنانية.
فكرة صناعة القرار في الخارج هي المسار المخـزي إلى درجة أنه في نهاية في هذه المرحلة إستقال الجميع من مسؤولياتهم وباتوا ينتظرون المبعوث تلـو المبعوث، وحالة تكرار الأمـر لا تُعّدُ ترفًا بل أمرًا مؤسفًا ويلزمنا طرح بعض الأسئلة الجوهرية التي تتمحور حول من يُقيِّم نتائج هذا التدخل من القوى السياسية والروحية، وما هو موقفهم من هذه التدخلات؟ في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان وسوء الإدارة السياسية، هل يمكن وضع حـدّ للتدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية أو على الأقلْ التخفيف من وطأتها؟ هل يمكن التخفيف من التدخلات الخارجية في رسم بعض القرارات التي غالبًا ما تكون على حساب السيادة الوطنية؟
التجارب التي نمُّـرْ بها تـدُّلْ على أن التدخلات الخارجية في صلب القرار اللبناني شديدة الوطأة خصوصًا في مرحلة اللاسيادة والسلاح الغير شرعي ومرحلة الديمقراطية المزيّفة. قرارات مصيرية تُرسم في الخارج وتُطبّق في الداخل، هذه القرارات أكسبتْ عبودية وباتت مشحونة بالعواطف والمشاعر المزّيفة... موفدون يأتون إلينا حاملين حلول على حسابنا ومسؤولين مُلزمين التطبيق الحرفي. لم يَعُدْ عمل ساسة لبنان مقتصرًا على تطبيق الدستور والقانون والعمل على تصويب السياسة العامة، بل أقحمتنا سياساتهم في صلب عملية تسليم الوطن والشعب للجلاّدين ولسلطات الأمر الواقع.
عمليًا كمركز أبحاث PEAC وإستنادًا للدراسات التي نجريها بشكل دوري وبعد مطالعات مستفيضة أصبح لدينا قناعة أنّ الطرق التي تسلكها القوى الخارجية في رسم قرارات يسمح لها بالتدخل المباشر باتتْ أمرًا واقعًا وإننا نُدرك وبعد مشاورات لبنانية – إقليمية – دولية أنه ليس من السهل التخفيف من وطأة هذه التدخلات، والجدير ذكره أنّ كل القرارات بدءًا من وثيقة الوفاق الوطني إلى إتفاقية الدوحة إلى وقف إطلاق النار بين الحزب ودولة إسرائيل ركزّت على التدخّلْ في كل مفاصل الجمهورية والمؤثرة بها. والمهم أنّ هذه القرارات تركز على مواقع السلطة (رئاسة الجمهورية – مجلس الوزراء – مجلس النوّاب)، لأنها من صلب الحياة السياسية والتي تستقيل من مهامها طوعًا لأنها مقيّدة بالتحالفات والمصالح الخاصة.
التدخلات الخارجية لها أهمية من الناحية الإستراتيجية والجيوسياسية وكل الدول الفاعلة على المسرح السياسي الإقليمي والدولي تجـد من الأنسب ممارسة هذا التدخل عبر المواقع الرسمية وبعض المناصب الأخرى (رؤساء الأحزاب)، وبالتالي لا تتردّدْ في سلوك هذه الطرق لأنّ السياسة اللبنانية في حالة إعاقة لا مثيل لها ولا إمكانية للشفاء من علّة الداء.
سياسيًا التدخلات الخارجية وصلتْ في حدِّها الأقصى إلى إختيار وثيقة سياسية كُتِيتْ خارج البلاد من دون مراعاة حق الشعب اللبناني في تقرير مصيره، وهذا النص أتى لمصلحة مراجع إقليمية – دولية نظرًا لحجمها ولدورها، وكذلك لاتجاهاتها السياسية والإقتصادية والمالية، وهذا النوع من التدخلات من المعتاد أن يتأقلم معه ساسة الأمـر الواقع. إنّ نهج التدخل في رسم الخيارات السياسية من قبلْ الخارج بسيطرة قوة واحدة تأمر وتنهي على الدولة (التدخل السوري في المرحلة السابقة الذي أخذ طابعًا شرعيًا من الدول العربية ودول القرار في الغرب). نتيجة هذا التدخل كان ترجيح مصلحة هذا الخارج على مصلحة الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة.
بحثًا عن قرار سيادي يُصنع على أيدي اللبنانيين الشرفاء يتطّلب تعزيز الوحدة الوطنية وتفادي إشكاليات التفرقة والعمالة كما الإنسجام مع روحية الميثاق الوطني وتطبيق الدستور. إنّ المطلوب من الشرفاء دفع الخارج إلى إحترام السيادة الوطنية اللبنانية ممثلة بسلطات دستورية شرعية منبثقة عن إنتخابات حرّة ونزيهة غير مسيّسة على ما كانتْ تجري في السابق. هل من مرجعيات سياسية وروحية همّها السعي إلى سيادة تامة ناجزة تحكمها طبقة سياسية شريفة تحّد من دوافع التدخلات الخارجية وخطرها على الجمهورية اللبنانية؟ طبعًا الجواب صعب لأنّ المسؤولين الزمنيين والروحيين صمّوا أذانهم عن سماع صوت الحق والضمير!.
*كاتب وباحث سياسي
Comments