bah لبنان وتوازن الطوائف: المسيحيون يستعيدون تمثيلهم... والسنّة في مأزق الغياب - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

لبنان وتوازن الطوائف: المسيحيون يستعيدون تمثيلهم... والسنّة في مأزق الغياب

07/11/2025 - 02:34 AM

بيروت

 

 

تحليل سياسي من إعداد الإعلامي جورج ديب – خاص بيروت تايمز

 

في قلب المتغيّرات السياسية والديمغرافية التي تعصف بالمنطقة، تعود مسألة التوازن الطائفي في لبنان إلى الواجهة، ليس فقط باعتبارها نتاج التاريخ اللبناني المركّب، بل كأداة أساسية لضمان بقاء الكيان والدولة. ومرة جديدة، يتحول لبنان إلى مرآة لعلاقة الأديان بالسياسة، خصوصًا في ظل حضور الفاتيكان المتجدد والداعم لمبدأ التعددية والشراكة الوطنية.

 

استعادة التمثيل المسيحي... بدعم داخلي وفاتيكاني

للمرة الأولى منذ عقود، يشعر المسيحيون في لبنان أن لهم رأسًا سياسيًا فعليًا يمثّلهم بوضوح على الساحة الوطنية. هذا الدور يتجسد اليوم في رئاسة الجمهورية برئاسة العماد جوزاف عون، الذي يحظى بدعم واسع من الشارع المسيحي ومن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رأس الكنيسة المارونية، الذي لا يتوانى عن إطلاق مواقف سياسية جريئة تحمي موقع المسيحيين وتحفظ حضورهم الوطني.

لكن التحول اللافت، وفق ما تشير إليه مصادر بيروت تايمز، هو الدخول المنهجي للفاتيكان، وتحديدًا مع البابا الجديد فرنسيس الثاني، في دعم حضور المسيحيين المشرقيين في دولهم الأصلية، وفي مقدمها لبنان. فقد وجّه الحبر الأعظم أكثر من رسالة إلى المجتمع الدولي حول أهمية حماية الخصوصية اللبنانية كنموذج للعيش المشترك، مؤكدًا على أن دور المسيحيين في لبنان ليس دينيًا فقط، بل عنصر توازن سياسي وثقافي في المنطقة.

 

الفاتيكان يحذّر من إقصاء المسيحيين... ويدعم الشراكة

في أكثر من مناسبة، شدّد الفاتيكان على أن أي تقويض لدور المسيحيين في الشرق الأوسط هو تهديد مباشر لثقافة التعددية، محذرًا من مشاريع سياسية تهدف إلى تفريغ المسيحيين من دورهم الوطني. وقد أكدت البَعثة الفاتيكانية الخاصة بلبنان، التي تعمل بتوجيه مباشر من البابا الجديد، على أن الكنيسة الكاثوليكية تقف إلى جانب كل مبادرة سياسية تعيد التوازن الوطني وتحترم اتفاق الطائف كمظلة جامعة لجميع اللبنانيين.

وفي معلومات خاصة لـ بيروت تايمز أن الكرسي الرسولي يعمل حاليًا على فتح قنوات تنسيق مستدامة مع المرجعيات المسيحية والروحية في لبنان، بهدف صياغة خطاب موحّد يحمي موقع المسيحيين ويحثّهم على لعب دور بنّاء في حل الأزمات بدل الانكفاء أو الوقوع في الاصطفافات الحادة.

 

دعوة فاتيكانيّة لتوازن شامل

في خضم هذه المعادلة المعقدة، يؤدّي الفاتيكان دورًا استثنائيًا من خلف الكواليس، حيث تعمل الدبلوماسية البابوية الجديدة على حثّ القوى المسيحية على الانفتاح والتنسيق مع المكوّنات الإسلامية، خصوصًا الطائفة السنية التي يراها الفاتيكان شريكًا طبيعيًا في حماية صيغة لبنان المتعددة.

وتنقل مصادر موثوقة لـ "بيروت تايمز" أن الفاتيكان بصدد تنظيم مؤتمر خاص بلبنان في الخريف المقبل، يدعو فيه إلى حماية الشراكة الإسلامية – المسيحية، وتثبيت اتفاق الطائف كأساس للتعايش والاستقرار، بما يتجاوز المصالح الآنية للقوى السياسية.

 

الشيعة: ثبات في المرجعية... وتحديات بعد نصرالله

في المقابل، تواجه الطائفة الشيعية تحديات ضخمة في مرحلة ما بعد استشهاد السيد حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله، الذي شكّل لعقود مرجعية رمزية وعقائدية للشيعة في لبنان والمنطقة. ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتعثر مِلَفّ إعادة الإعمار، يبقى الرئيس نبيه بري هو رأس الطائفة السياسي والتمثيلي الأبرز، إذ يُنظر إليه كضامن للتوازن الداخلي، ومفاوض باسم الشيعة في الداخل والخارج.

ويُجمع المراقبون، كما نقلت بيروت تايمز، على أن ثبات الشيعة في قيادتهم، رغم الانقسامات الإقليمية، يمثّل عنصر استقرار نسبي ضمن معادلة طائفية هشة.

 

السنّة: فراغ مقلق وغياب الرأس السياسي

أما الطائفة السنية، فتقف اليوم أمام فراغ قيادي غير مسبوق. فمع غياب شخصية جامعة منذ اعتزال الرئيس سعد الحريري الحياة السياسية، وتراجع الثقل السياسي السني في المؤسسات الرسمية، تعاني الطائفة من تهميش واضح، وتفكك في المرجعيات.

الفراغ السني يُصعّب خوض الملفات المصيرية للطائفة، وعلى رأسها العلاقة مع دول الخليج العربي، وموقع الطائفة من النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشارع، فضلًا عن قضية السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، الذي ظل طويلاً مرتبطًا بالبيئة السنية من حيث الجغرافيا والانتماء.

 

اتفاق الطائف بلا وصيّ... ولبنان بلا توازن

يبقى اتفاق الطائف، الذي وُلد برعاية سُعُودية وبمباركة دولية، الركيزة الدستورية الأهم لحفظ توازن لبنان، وهو اليوم بلا حارس. فغياب رأس سياسي سني قادر على الدفاع عنه، يضع مستقبل الاتفاق على المحك، ويزيد من مخاطر الانزلاق نحو تعديلات مضمرة في الميثاق الوطني.

وفي هذا السياق، تحذّر بيروت تايمز من أن استمرار الفراغ السني قد يدفع بقوى طائفية أخرى إلى محاولة فرض رؤيتها الأحادية، مما يهدد فعليًا وحدة الدولة ويعيد البلاد إلى مربّع الاصطفافات الطائفية.

 

في الختام، يبدو أن مستقبل لبنان الطائفي والسياسي لن يُحسم داخليًا فقط، بل سيبقى مرتبطًا بمدى نُضْج المرجعيات، وتجاوبها مع مبادرات دولية صادقة، أبرزها مبادرة الفاتيكان بقيادة البابا فرنسيس الثاني. وبين فراغ السنّة، وثبات الشيعة، واستعادة المسيحيين لدورهم، تبقى الحاجة الوطنية ماسة لإعادة تكوين سلطة متوازنة تحفظ الصيغة وتحمي الدولة من الانهيار.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment