كريم حداد
من قلب بيروت، أطلق المبعوث الأمريكي الخاص توم برّاك رسائل سياسية حاسمة، تؤشر إلى منعطف تاريخي في المنطقة العربية، خصوصاً في لبنان وسوريا. تصريحاته لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل خارطة طريق تفرض على الأطراف المحلية خياراً واضحاً: التغيير أو الزوال.
لبنان: فرصة محدودة للإصلاح
في بيروت، تحدث برّاك بصراحة عن “ثقافة سياسية” لبنانية تعتمد النفي والمراوغة، داعياً إلى تغيير جذري في هذا النهج. ورغم إشادته بالاستجابة السريعة للحكومة اللبنانية للمقترحات الأمريكية، عبر عن إحباطه من تمسك الطبقة الحاكمة بالوضع الراهن الذي يقود إلى الانهيار.
أكد برّاك أن نافذة الفرص لا تزال مفتوحة، شريطة تصدي الحكومة بجدية للتحديات، وفي مقدمتها ملف حزب الله. وأوضح أن الدعم الأمريكي مشروط بإقامة دولة موحدة بجيش وسلاح واحد، عبر تسوية سياسية ذكية تبدأ من مجلس الوزراء وبموافقة حزب الله كقوة سياسية، وليس عبر نزاعات داخلية.
سوريا: بداية جديدة بشروط
على الجبهة السورية، وصف برّاك رفع العقوبات الأمريكية في 13 مايو بأنه “بداية استراتيجية جديدة”. هذا القرار يحمل رسالة إلى دمشق بأن إنهاء الحرب ممكن، شريطة انفتاح النظام على الوحدة الوطنية. لكنه شدد على رفض الفدرالية، مؤكداً أن سوريا يجب أن تظل دولة واحدة بجيش موحد. ووجّه رسالة مباشرة إلى “قسد”، داعياً إياها لتحديد هويتها: “هل هي سورية أم كردية؟”.
وأشار إلى أن التوجه الأمريكي يركز على تمكين الأنظمة من إعادة صياغة عقدها الوطني، وليس بناء دول جديدة أو إسقاط أنظمة قائمة. وقال: “نحن لا نبني دولاً، بل نمنح فرصة للتغيير”.
التطبيع: خطوات جريئة من دمشق إلى الضاحية
كشف برّاك عن خطوات تطبيع محتملة بين سوريا وإسرائيل، تبدأ بتصريحات رمزية وتصل إلى حوارات غير مباشرة. وفي سياق مفاجئ، أشار إلى إمكانية إدراج حزب الله ضمن هذا المسار عبر محادثات لبنانية-إسرائيلية بوساطة أمريكية، مؤكداً أن مستقبل الحزب السياسي يجب أن يكون جزءاً من الحل.
وفق الرؤية الأمريكية، يبدو التطبيع شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار في لبنان وسوريا، برعاية إقليمية تشمل الأردن، تركيا، العراق، ولبنان.
تحول استراتيجي: واشنطن تمنح الفرصة… بشروط
تصريحات برّاك تعكس تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. الرسالة واضحة: “لم نعد ضامني أمن العالم، بل نمنحكم فرصة لكتابة مستقبلكم”. المعادلة بسيطة:
•الدعم الأمريكي مرهون بإصلاحات سيادية جذرية.
•التأخير أو المماطلة ستؤدي إلى نفاد الوقت، مع رفض المجتمع الدولي لاستمرار لبنان وسوريا رهينة صراعات داخلية.
خلاصة: مفترق طرق حاسم
تصريحات برّاك تضع لبنان وسوريا أمام خيار مصيري:
• في لبنان، يتطلب الأمر حواراً داخلياً شجاعاً حول سلاح حزب الله، هوية الدولة السيادية، وإنقاذ الاقتصاد.
• في سوريا، تتيح الفرصة إعادة الاندماج الإقليمي عبر التطبيع الجزئي والمصالحة الوطنية.
الشرط الأساسي هو الإرادة الداخلية للتخلص من إرث الماضي. كما قال برّاك: “لا خطة بديلة… هذه هي الطريق، وإن لم تعجبكم، اقترحوا بديلاً”.
المرحلة القادمة ستحدد من يسعى لإنقاذ بلاده، ومن سيختار الانتظار حتى “الانقراض السياسي”.
Comments