bah لبنان في لحظة الحقيقة: المسيحيون والمسلمون شركاء في المصير لا في التعايش فقط - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

لبنان في لحظة الحقيقة: المسيحيون والمسلمون شركاء في المصير لا في التعايش فقط

07/13/2025 - 23:26 PM

Prestige Jewelry

 

 

 

بيروت - بيروت تايمز - تحقيق اخباري من اعداد ليلى ابو حيدر

 

في قلب العواصف التي تعصف بلبنان سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، تعود الأذهان مجددًا إلى الأسس لا إلى الطوائف، بل إلى جوهر الصيغة اللبنانية التي نشأت منذ عام 1920 على توازن دقيق بين مكوناتها، وتكرّست في الميثاق الوطني عام 1943، ثم ثُبّتت دستوريًا في اتفاق الطائف عام 1989. هذا التوازن الذي حفظ للبنان هويته الفريدة في هذا الشرق المضطرب لم يقم يومًا على التعايش المجامل، بل على قناعة راسخة أن لبنان وطن لا يمكن أن يعيش إلا بجميع مكوناته متساوية في الحقوق والواجبات، متشاركة في المسؤوليات، ومتكاملة في الأدوار.

هذا الصوت الذي يستعيد اليوم روحه الأولى، يتردّد في مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الجمهورية العماد جوزف عون، اللذين يحملان معًا الرسالة الوطنية ذاتها. فالأمر لا يتعلق بلقاء بين بكركي وبعبدا بقدر ما يرتبط بجوهر النظرة إلى الكيان نفسه.

رأس الكنيسة المارونية، التي صاغت مع المسلمين ركائز الكيان اللبناني، يُعيد التأكيد أن المسيحيين والمسلمين شركاء في التأسيس والمصير، وأن لبنان لا يُبنى على الغلبة بل على الشراكة الصافية، فيما يرى رئيس الجمهورية أن الجيش، بصفته المؤسسة الوطنية الجامعة، هو الضامن الأول لوحدة اللبنانيين وصون صيغة العيش المشترك، وأن لا أمن ولا استقرار إلا تحت سقف الدولة وحدها.

هذه الرسائل، المتقاطعة في جوهرها، ليست جديدة على مسار لبنان، بل هي استمرار لمسار طويل صنعه الكبار في السياسة والوطنية منذ التأسيس. من رياض الصلح وبشارة الخوري، إلى صائب سلام وكميل شمعون، إلى فؤاد شهاب ورشيد كرامي، كان القرار المشترك بين المسلمين والمسيحيين هو الذي يحفظ لبنان، لا المشاريع الأحادية، ولا الأوهام العابرة، ولا السلاح الخارج عن شرعية الدولة. هذه المعادلة هي التي أعطت لبنان تفوّقه على محيطه: بلد الحريات وسط أنظمة مقموعة، بلد التنوع في منطقة أحادية الهويات، بلد الدولة المدنية الممكنة في محيط تحكمه الميليشيات أو الأنظمة المغلقة.

الفاتيكان، من جهته، لا يزال يرى في لبنان رسالة لا وطنًا فقط. من البابا يوحنا بولس الثاني إلى البابا لاوون الرابع عشر، ظلّ الكرسي الرسولي يؤكد أن ضرب الصيغة اللبنانية يعني ضرب آخر مساحة للحرية والتعددية في هذا الشرق. البابا لاوون الرابع عشر شدّد أكثر من مرة على أن مسيحيي لبنان ليسوا أقلية تبحث عن حماية بل هم جزء حيّ من نسيج الوطن وهويته، وأن تهجيرهم أو محو حضورهم هو مسّ بجوهر لبنان كملاذ للتنوع في منطقة تآكلتها النزاعات والهويات المغلقة. هذا الحضور المسيحي ليس انعزالًا ولا تحصّنًا في الطوائف، بل انخراطًا في صياغة الحاضر والمستقبل، كما كان في التأسيس.

أهمية هذه الرسائل لا تكمن فقط في بعدها الديني، بل في توقيتها السياسي. فالمخاطر اليوم لا تهدد المسيحيين وحدهم، بل الكيان اللبناني برمّته. هجرة المسيحيين مرآة لهجرة اللبنانيين جميعًا، فراغ المؤسسات خطر على الدولة، لا على طائفة واحدة، والسلاح خارج الدولة يهدد الوطن كله لا مذهبًا بمفرده. حين يقول البطريرك الراعي إنه لا مشكلة بين المسيحيين والمسلمين بل حين تتدخل السياسة بمصالحها الضيقة تنشأ الأزمات، وحين يؤكد رئيس الجمهورية أن المؤسسات وحدها هي الحامية للوطن، فهما معًا يرفعان الصوت باسم لبنان الرسالة، لبنان الممكن، لبنان الذي لا يزال يحتاجه الشرق كنموذج حي لا كذكرى ماضوية.

المسيحيون في لبنان لا يبحثون عن حماية بل عن تثبيت الشراكة، والمسلمون شركاء أصيلون في هذا التوازن. لا خلاص للبنان إلا بهذه الصيغة التي أثبتت عبر قرن أنها الوحيدة القادرة على الثَّبات، إذا قرّر اللبنانيون أن يعودوا إليها بعيدًا عن صفقات المصالح. الفاتيكان لن يتخلّى، لكنه لن يستطيع وحده إنقاذ وطن يصرّ بعض أبنائه على تفريغه من هويته التعددية. لبنان يستطيع أن يكون الاستثناء الناجح في شرق مأزوم، إذا عاد أبناؤه إلى جذور الصيغة لا إلى منطق الغلبة.

بين المسلمين والمسيحيين، العِلاقة لم تكن يومًا تعايشًا سطحيًا بل شراكة تأسيسية عميقة. منذ الميثاق الوطني عام 1943، التقت الإرادات على صيغة العيش المشترك التي كرّست التوازن في الحكم، فجعلت من رئيس الجمهورية مارونيًا، ومن رئيس الحكومة سنيًا، ومن رئيس مجلس النواب شيعيًا. شخصيات مسلمة بارزة أدّت دورًا محوريًا في حماية هذا التوازن ودعم الوجود المسيحي، من رياض الصلح إلى صائب سلام.

عبر التاريخ، وقف المسلمون إلى جانب المسيحيين في مواجهة مشاريع التقسيم والتهجير، ورفضوا كل محاولة لفصل الطوائف أو المسّ بوحدة الوطن. حتى في وجه التحديات الحديثة، من اللجوء السوري إلى الإرهاب، ظهر هذا التضامن جليًا، حيث توحّد اللبنانيون دفاعًا عن الصيغة المتعددة.

اليوم، هذه الشراكة تبقى صمّام أمان لبنان في وجه الأزمات، وضمانة بقائه كما أراده مؤسسوه: وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه، شراكة لا مساومة فيها على هوية لبنان ولا على دوره.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment