bah فيليب سالم في حفل تخرّج "الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا" في بيروت: المعرفة هي القوّة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

فيليب سالم في حفل تخرّج "الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا" في بيروت: المعرفة هي القوّة

07/15/2025 - 00:08 AM

بيروت

 

 

 

بيروت - بيروت تايمز - متابعة الاعلامي جورج ديب 

 

احتفلت "الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا" في بيروت بإقامة دورة تحمل اسم المفكر الراحل شارل مالك، تكريمًا لإرثه الفكري والإنساني. وقد ألقى الدكتور فيليب سالم الكلمة الرئيسة في هذا الاحتفال، فجاء خطابه نابضًا بالحكمة والانتماء، مستحضرًا القيم التي لطالما دافع عنها كلٌ من مالك وسالم، في ميادين الفكر والسياسة والطب. إليكم أبرز ما شدّد عليه الدكتور سالم في هذه المناسبة التي جمعت رموزًا من الوطن والمغترب، تحت راية الوفاء للعلم والكرامة الإنسانية.

 

كلمة الدكتور فيليب سالم

في البدء، أودُّ أن أتقدّم بالشكر "للجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا" لدعوتي أن أكونَ خطيبَ التخرّج هذا المساء. وأنا هنا مع زوجتي. وأخِصُ بالشكرِ صديقتي الحبيبة رئيسة هذه الجامعة. إن هيام صقر ليست سيدة عادية. انها سيدةَ الأحلام الكبيرة، سيدةُ الإيمان بقوة المعرفة. سيدةُ التمرد على الصعاب. لم تطالب يومًا بحقوقها كامرأة لكنها فرضت حقوقها بإنجازاتها. وهنا أودُّ أن أعودَ الى المتنبي الذي قال في رثاءِ والدة سيفِ الدولة "ولو كان النساء كمن فقدنا، لفضلت النساء على الرجال". وهنا أنا أقول اليوم ولو كان النساء كمن وجدنا لفُضّلت الهيام على الرجال.

وكم يسرّني ان أتكلمَ في حفلِ دورةٍ تحملُ اسم شارل مالك. إبن قريتي بطرام، ونسيبِ والدتي وكبير المسؤولين عن صياغة شرعة حقوق الإنسان، وهي أكبر إنجاز لمنظمة الأم المتحدة. ولكن ها قد مضت ستٌ وسبعونَ سنةً على ولادةِ هذه الوثيقة، ولم يتم تحديثُها أو تطويرُها فتجمّدت في التاريخ وخسرت فعاليتها. وأنا اليومَ أعملُ على إحيائها، والتركيزِ على أهمِ حقٍ للإنسان وهو الحقُ في الحياة. والحقُ في الحياةِ هذا يتطلبُ الحقَ في الصحة. يجب أن يحيا الإنسانُ أولاً ليتمكن من ممارسة الحقوق التقليديةِ التي وردت في هذه الشرعة. إنَ كلَ الحقوقِ التقليديةِ تتلاشى أمام هيبةِ الحقِ في الحياة.

أيها المتخرجون،

منذ سنين، كنت مثلَكم انتظرُ استلامَ شهادتي. من يومَها الى يومنا هذا كانت رحلةً طويلةً امتزجَ فيها الألمُ بالفرح، وامتزجَ فيها النجاحُ بالفشل. وما جئت اليومَ لأسديَ النصحَ لكم، بل جئتُ لأبوحَ لكم بما تعلمتُه من النجاحِ والفشلِ، لعلَ في ذلك خيرًا لكم.

لقد تعلّمتُ أن الإبداعَ في العمل ليس ممكنًا إن لم تحبَ عملك. فالحبُ هو القوةُ التي تحوّل العملَ من شيء تقوم به، ويبقى خارجَك، الى شيءٍ تقومُ به ويصبحُ هو انت.

قال جبران في كتابِ النبي "إنَّ العملَ هو الحبُ، تجسّد، فتراءى". وأقول لكم، إنه ليس مهمًا نوعُ العملِ، الذي تقومُ به بقدر ما هو أهمُ، وهو أن تملأ هذا العملَ بالحبِ وتسكُبَ فيه من نفسك.

وتعلّمت أن المعرفةَ هي القوّةُ التي تحررّنا من العبودية. فليس هناك من عبوديةِ أشدّ وأقوى من عبودية الجهل. لذلك لا تقل "من علّمني حرفًا، صرت له عبدًا".، بل قل "من علّمني حرفًا أعتقني من عبوديتي". فما من قوةٍ تفككُ السلاسل التي تقيُدكم كالمعرفة. وكلما غصتم عمقًا في المعرفة، كلما اقتربتم من الله. وكلّما اقتربتم من الله، زالت الحدودُ التي تفرّق بينكم وأصبحتم واحدا.

وتعلّمتُ أن الطريقَ الى النجاح تمرُ دائمًا بالفشل. لذا فالذين يخافون الفشل، لا يتمكنون من صنعِ النجاح. وقد يكون غريبًا على مسامعكم إذ قلت لكم إن الفشل كان أعظم معلمٍ لي. وحدُهم هؤلاء الذي لم يتقدموا شبرًا واحدًا نحو القمةِ لا يعرفون الفشل.

وتعلمت أنّ المالَ، والنفوذَ والشهرةَ تشكلُ دونَ شكٍ قوى كبيرة، إلا أن التحدي الأكبرَ هو كيفَ تحوّلُ هذه القوى الى قوةٍ لك لا قوةٍ عليك. كثيرون تمكّنوا من التسلق الى القمم إلا أن الكثيرين منهم سرعانَ ما تدحرجوا الى قعرِ الهاوية. تدحرجوا لأنهم لم يتمكنوا من ترويض النجاح. فخسروا أنفسهم وضاعوا. ولكي لا تضيعوا تذكّروا أن التواضعَ هو أعلى قمةٍ تصلون اليها في داخلكم. وتذكّروا أن نجاحكم لن يكونَ نجاحًا لكم إذا لم يكن أيضًا نجاحًا لغيركم.

وتعلمتُ أن المرءَ لن يحصلَ على السعادة إلا إذا تحرّر من قشورِه. لذا جئتُ لأقولَ لكم إن لم تتحرروا من قشوركم لن تصلوا الى حقيقتكم. ومن لا يصلْ الى حقيقته لا يمتلك نفسه. ومن لا يمتلك نفسه، لا يمتلك شيئًا. لذا عبثًا تحاولون الوصولَ الى السعادةِ إن لم تنزعوا أقنعتكم عن وجوهكم، وتقفوا عراةً أمامَ وجه الله.

وبالرغم من كل الحروبِ والآلام، إياكم أن تنسوا أنكم أبناءُ حضارةٍ في الشرق ومميّزةٍ في العالم. هذه الحضارةُ التي جعلت من لبنانَ وطنَ الرسالة. هنا في هذه البقعةِ الصغيرةِ من الأرض تعانقُ المسيحيةُ الإسلام وتعانقُ حضارةُ الشرقِ حضارةَ الغرب.وحده لبنان في هذا الشرقِ كله نموذج للتعددية الحضارية.

نظرةٌ واحدةٌ الى هذا المشرق العربي. فماذا نرى؟ نرى صحارى من الفكرِ المجمّد وأنظمة سياسية لا تحترم عظمة الإنسانِ الفرد وحريته، ونرى "ثورات" من التطرفِ الديني والعنفِ التي تكبلُ العقلَ وتدوس الإنسانَ وتعتدي على الله. غدًا، أيها الخريجون، يجب أن تتمردوا على هذا الواقع وتعملوا على تغييره.

أيها المتخرجون،

أذهبوا، وأعملوا، وازرعوا في الأرض، وطاردوا أحلامكم. ولكن إياكم أن تنسوا يومًا من أنتم ومن أين أتيتم، ومن هم أهلكم، وأي أرض في الأرض هي ملككم. على بعد ثمانية ألفِ ميلٍ من هنا، وفي مكتبي في مدينة هيوستن، غصنُ زيتون من شجرتي وزجاجة زيت من كرمتي، وحفنةُ ترابٍ من قريتي. هذا ليس فقط ليذكّرني من أينَ أتيتُ بل ليقولَ لي من أنا.

غدًا تبدأون مرحلة جديدة من حياتكم وستنشغلون في أعمالكم. ولكن ضعوا جانبًا كلَّ يومٍ دقائق معدودة وارفعوا الصلاةَ الى الله واشكروه على كل ما اغدق عليكم، واطلبوا منه أن يحفظ أهلكم ويحفظ أوطانكم. ومن أجل لبنان، ارفعوا الصلاة واطلبوا منه أن "يتطلع من السماء وينظرَ، ويتعهّد هذه الكرمةَ التي يداه غرستها، ويُصلحها".

لتبارككم السماء. أما الأرض فهي تناديكم وتقول لكم "أثبتوا في محبتي كما ثبتُ أنا في محبتكم". وإن غادرتم هذه الأرض خذوا حفنة من ترابها معكم.

أيها المتخرجون،

ليكن سلامُ الله عليكم، ولتكن صلواتُ أهلكم معكم.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment