محمود كامل الكومي *
في خضم ما تشهده المنطقة من محاولات متكررة لطمس الهُوِيَّة العربية وتفتيت وحدة الشعوب، تتجدد الهجمات الإعلامية والسياسية على الشعب العربي السوري، في مسعى خبيث لفصل الأمة عن تاريخها وتضحياتها. غير أن كل عروبي أصيل، مؤمن بوحدة المصير، يجب أن يتوقف ملياً أمام دور سوريا، تلك البلاد التي لم تكن يوماً هامشاً في تاريخنا، بل كانت على الدوام قلب العروبة النابض، كما كانت مصر عقلها وقوتها.
ليس من الإنصاف – ولا من الوطنية في شيء – أن يُحمَّل الشعب السوري تبعات سياسات فرضت عليه بقوة السلاح والمؤامرات. فالتاريخ يشهد أن السوريين كانوا من أشد المؤمنين بالوحدة، وأنهم لم يترددوا في خوض تجربة الاتحاد مع مصر، التي تمثلت في قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958، تجربة وحدوية فريدة قادها الزعيم جمال عبد الناصر، واحتضنها الشعبان المصري والسوري بحب وأمل.
لكن، وللأسف، لم يكتب لهذه الوحدة البقاء، لا لأن السوريين رفضوها، بل لأن أعداءها عملوا ليل نهار على تقويضها. لم يكن سقوط الوحدة نتيجة قرار شعبي، بل ثمرة مرة لمؤامرة دبرها خصوم العروبة، وعلى رأسهم النظام السعودي الذي لم يكن يخفي عداءه لعبد الناصر ومشروعه التحرري.
ولعل من أبرز محطات هذه المؤامرة، ما كشفه عبد الناصر بنفسه في خطاب علني، عندما أعلن أن السعودية حاولت اغتياله عبر محاولة فاشلة لشراء ذمة العروبي السوري عبد الحميد السراج، حيث عرضوا عليه شيكاً بمليون جنيه مصري – ما يعادل نحو 3.3 مليون دولار آنذاك – لكنه، وفياً لمبادئه، سلّم الشيك لعبد الناصر، الذي فضح المحاولة على رؤوس الأشهاد، كاشفاً تواطؤ آل سعود مع الاستعمار الصهيوأمريكي.
ومع فشل تلك المحاولة، لم يتوقفوا، بل استمر السعي لتفتيت الوحدة، حتى نجحوا في تنفيذ انقلاب عسكري بقيادة عبد الكريم النحلاوي، بدعم أمريكي، ليكون ذلك بداية انهيار الحلم الوحدوي.
إن من يهاجم اليوم الشعب السوري، وينسى هذا التاريخ، يكرر خطيئة التعميم الجائر، ويقع في فخ التضليل. فالشعوب ليست مسؤولة عن خيانات الأنظمة، والشعب السوري، كما شعوب الأمة كافة، هو ضحية أنظمة ارتضت التعامل مع العدو كصديق، وخانت قضايا الأمة في وضح النهار.
لقد آن الأوان أن ندرك، نحن العرب، أن كل محاولة لشتم أو تشويه شعب عربي، ما هي إلا سهم يصيب الجسد العربي كله. وأن الدفاع عن سوريا، كما عن مصر والعراق وفلسطين واليمن ولبنان، هو دفاع عن العروبة ذاتها.
فالوطنية لا تعني جلد الذات، والعروبة لا تكون بهدم روابطنا، بل بتعزيزها، والاصطفاف ضد كل من يسعى لتفتيت الأمة أو شيطنة شعوبها.
* كاتب ومحامي مصري
Comments