bah الأقليات قلب الشرق النابض في زمن التهديد - الفاتيكان والمجالس الروحية: تحالف الدفاع عن التنوع في الشرق الأوسط - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الأقليات قلب الشرق النابض في زمن التهديد - الفاتيكان والمجالس الروحية: تحالف الدفاع عن التنوع في الشرق الأوسط

07/18/2025 - 04:11 AM

بيروت

 

 

 

 

الأقليات في الشرق الأوسط: من الهامش إلى حافة الزوال؟

 


بيروت تايمز - تحقيق سياسي - ديني - من إعداد الإعلامي جورج ديب

 

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتعانق الحضارات وتتلاقى الأديان، يظلّ وجود الأقليات نبراسًا لا ينطفئ، رغم العواصف والزلازل التي تعصف بالمنطقة. فهذه الجماعات لم تكن يومًا مجرّد أرقامٍ في الإحصاءات أو هوامش في كتب التاريخ، بل شكّلت جزءًا لا يتجزّأ من هوية شعوب المشرق، وأعمدةً رسّخت تماسك مجتمعاتها عبر القرون.

من المسيحيين (الأرثوذكس، الكاثوليك، الإنجيليين، الأقباط، الارمن، الكلدانيين، الآشوريين)، إلى الدروز، العلويين، الإيزيديين، المندائيين، الزرادشتيين، اليهود، البهائيين، السامريين، الإسماعيليين، البهرة والشيعة الإثني عشرية، أثبتت هذه الأقليات مرارًا أنها ليست ضحية صامتة للهجرات القسرية أو صراعات الهوية، بل كانت ولا تزال فاعلًا في قرار البقاء والمقاومة، مدافعةً عن حضاراتها وحقوقها في أرض الآباء والأجداد، رغم السياسات التمييزية وحملات الاضطهاد والتهويد والإقصاء التي تحيط بها من كل جانب.

وفي هذه المواجهة الوجودية، لم يكن الصمت خيارًا. إذ لعبت الكنائس الشرقية والفاتيكان، إلى جانب مؤسسات دينية أخرى مثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومشيخة العقل الدرزية، والمجالس الروحية للطوائف العلوية والإسماعيلية، والمراكز الثقافية الإيزيدية والمندائية، والهيئات اليهودية والبهائية، دورًا محوريًا في تقديم الدعم الروحي والمادي عبر المدارس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية التي عزّزت صمود هذه المجموعات ومنحت الأمل للأجيال الشابة للبقاء في أرضهم وعدم الارتهان للهجرة.

الفاتيكان، بصوته العالمي وإمكاناته الدبلوماسية، يواصل الضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لتأمين الحماية القانونية والسياسية، بينما لا تزال الكنائس الشرقية صامدة، تحمي أبناءها من الاستسلام لمشاريع التهجير القسري التي تهدف إلى تفريغ الشرق من تنوّعه وجماله. كما تبذل المرجعيات الإسلامية والروحية الأخرى جهودًا موازية في الدفاع عن حقوق مكوّناتها، وتثبيت حضورها في المشهد الوطني والإنساني العام.

في هذا السياق، تؤكّد بيروت تايمز عبر هذا التحقيق أن الأقليات ليست مجرّد هامشٍ تاريخي، بل قلبٌ نابض، وحصنٌ صلب في وجه كل محاولات الطمس والتغييب.

 

من الحضور إلى التقلّص… مشهد راهن ينذر بالمزيد

 

لبنان: المسيحيون من صُنّاع الكيان إلى قلق الهجرة

شكّل المسيحيون ركيزة أساسية في تأسيس لبنان الحديث، ولعبوا دورًا محوريًا في ترسيخ هوية بيروت كعاصمة للصحافة، الحريات، والتعليم الجامعي. أسّسوا الاقتصاد الحديث، وأطلقوا المصارف، وأرخوا لتقاليد الإعلام والسياسة في منطقة لطالما عُرفت بتعدّدها الثقافي والديني.

ورغم توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي رسّخ مبدأ التوازن الطائفي في الحكم، بقيت العديد من مكوّنات الأقليات المسيحية مثل الأرمن، السريان، والإنجيليين بتمثيل سياسي فلبل، في ظل نظام انتخابي لا يعكس التنوّع الكامل للمجتمع اللبناني.

وتتواصل موجات الهجرة المسيحية بوتيرة مقلقة، حيث انخفض الحضور المسيحي من أكثر من 50% قبل الحرب الأهلية إلى أقل من 30% اليوم، وفق تقديرات غير رسمية. وقد أطلقت جهات دولية، أبرزها الفاتيكان وفرنسا، تحذيرات متكرّرة من خطورة هذا النزيف الديموغرافي، معتبرة أن استمرار هذا التراجع قد يُغيّر هوية لبنان التاريخية، ويُضعف نموذجه التعددي الفريد في الشرق الأوسط.

 

سوريا: الأقليات بين الحماية الشكلية والخوف المزمن

منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم، تحوّل العلويون إلى ركيزة في السلطة، بينما بقيت سائر الأقليات - المسيحيون، الأرمن، الآشوريون، السريان، الدروز - تعيش في ظل هشاشة دائمة. رغم مساهماتهم في بناء الدولة بالطب، الثقافة، الصِّحافة، والتعليم، يعيش من تبقّى منهم بين خيار الهجرة أو التعايش مع واقعٍ أمني لا يمنحهم سوى فتات الطُمَأنينة.

أما الجالية اليهودية السورية، فقد انحسرت بالكامل من حلب ودمشق بعد التسعينيات، فيما بقيت بضعة معابد مهجورة شاهدة على إرثٍ منسي. بينما توظّف روسيا وإيران هذه الورقة طائفيًا وسياسيًا، تغيب أي حلول حقيقية تحفظ حقوق هذه الجماعات.

 

القدس وفلسطين: من الحضور الثقافي إلى الانقراض الديموغرافي

قبل النكبة، كانت القدس المسيحية مركزًا ديموغرافيًا وثقافيًا واقتصاديًا، واحتضنت أبرز الصحف والمؤسسات التعليمية والطبية. كما كان اليهود الفلسطينيون جزءًا من النسيج الاجتماعي ضمن الدولة العثمانية ثم الانتداب البريطاني.

منذ 1948، تقلّص الحضور المسيحي من 20% إلى أقل من 1%، نتيجة التضييق الإسرائيلي الممنهج، مصادرة الأملاك، التهويد، وتهميش المؤسسات الكنسية، وَسَط بيانات دولية عاجزة. أما اليهود، فأصبحوا بعد نشوء إسرائيل جزءًا من معادلة السلطة.

 

الأردن: تعايش مستقرّ ضمن حدود محسوبة

لعب المسيحيون الأردنيون دورًا أساسيًا في الصِّحافة، التعليم، المصارف، وبناء هوية الدولة الحديثة. ورغم الاستقرار القانوني الذي يتمتّعون به، ظلّ تأثيرهم السياسي محصورًا ضمن مقاعد الكوتا، في ظل مجتمع ديموغرافي أغلبيته من أصول فلسطينية وشامية.

أما الجالية اليهودية الأردنية، فقد كانت محدودة تاريخيًا، وغادرت كليًا بعد 1948. الأردن يقدّم اليوم نموذجًا ناجحًا نظريًا في التعايش، لكنه لا يعكس بالضرورة تنوّعًا حيًّا فاعلًا.

 

مصر: الأقباط… حضور تاريخي، معاناة مستمرّة

كان الأقباط محرّكًا رئيسيًا للحضارة المصرية من العصر الفرعوني حتى الحديث، وبرزوا في الطب، المال، والتعليم، ومنهم شخصيات لامعة مثل مجدي يعقوب. أما اليهود المصريون، فشكّلوا حتى أربعينيات القرن الماضي جزءًا حيويًا من الاقتصاد، المصارف، وصناعة السينما، قبل أن يطالهم التهجير المنظّم مع صعود الناصرية والحروب مع إسرائيل. رغم الحماية الدستورية، يبقى الأقباط عرضة للعنف الطائفي، خصوصًا في الأرياف، حيث يتضارب الخطاب الرسمي عن "شركاء الوطن" مع واقعٍ شعبي تقليدي رافض للتنوّع.

 

العراق: المسيحيون، الإيزيديون، اليهود… ضحايا مستمرّون

منذ العصر العباسي، لعب المسيحيون دورًا ثقافيًا وعلميًا واقتصاديًا محوريًا، وبرز اليهود العراقيون كثقلٍ اقتصادي كبير، بلغ عددهم 135 ألفًا في أربعينيات القرن الماضي قبل تهجيرهم بعد الفرهود 1941.

اليوم، يعيش المسيحيون والإيزيديون والصابئة على حافة الانقراض، وسط موجات تهجير وقتل وتغيير ديموغرافي مستمر. ورغم بيانات الأمم المتحدة، لا حلول ملموسة على الأرض.

 

المغرب وتونس: آخر البقايا اليهودية في فسيفساء تطوى

في المغرب، كانت الجالية اليهودية الأكبر عددًا في العالم العربي حتى السبعينيات (250 ألفًا)، واليوم لا يتجاوز عددها 2000 شخص. أما في تونس، فتقلّصت الجالية من 100 ألف إلى أقل من 1000 شخص، وبقيت حج الغريبة طقسًا رمزيًا أكثر منه حضورًا اجتماعيًا حيًّا.

 

الجزائر، اختفى الحضور اليهودي بعد الاستقلال عام 1962.

 

اليمن: من الجذور العميقة إلى الزوال الصامت

 

الجالية اليهودية اليمنية كانت من أقدم الجماعات السامية، عُرفت بالحرف والتجارة، لكن تم تهجير معظمها إلى إسرائيل ضمن "عملية بساط الريح" (1949-1950). اليوم، لم يبقَ منهم سوى أقل من عشر أفراد محاصرين بين الحوثيين والعداء الاجتماعي.

 

مقارنة بالأرقام: النزيف المتواصل

 

التوقعات المستقبلية: خيارات ضئيلة في أفق مسدود

السيناريو المتفائل: اعتراف تدريجي بالحقوق، إدماج اقتصادي، ضغط دولي فعّال يحفظ التنوّع.

السيناريو الواقعي: استمرار النزيف السكاني، بقاء رمزي بلا تأثير فعلي.

السيناريو الأسوأ: تفريغ شبه كامل، صعود التطرف، تحوّل الأقليات إلى شتاتٍ في أوروبا وأميركا.

  • الدولة
  • قبل 50 سنة
  • اليوم
  • ملاحظات
  • لبنان
  • 50% مسيحيون،
  • 6 آلاف يهودي
  • أقل من 30% مسيحيون
  • اليهود غادروا كليًا بعد الحرب
  • سوريا
  • 10% مسيحيون،
  • آلاف اليهود
  • أقل من
  • 3% مسيحيون
  • اليهود غادروا كليًا
  • القدس
  • 20% مسيحيون
  • 1% مسيحيون
  • اليهود أصبحوا أكثرية
  • بفضل إسرائيل
  • الأردن
  • 5% مسيحيون،
  • يهود محدودون
  • 2-3% مسيحيون
  • لا أثر للجالية اليهودية اليوم
  • مصر
  • 10% أقباط، 
  • 80 ألف يهودي
  • 8-10% أقباط
  • أقل من 20 يهوديًا
  • العراق
  • 1.5 مليون مسيحي 135 ألف يهودي
  • أقل من 200 ألف مسيحي
  • اليهود غادروا كليًا
  • المغرب
  • 250 ألف يهودي
  • 1500 - 2000 شخص
  • أكبر جالية يهودية عربية باقية
  • تونس
  • 100 ألف يهودي
  • نحو 1000 شخص
  • تراجع حاد، رمزي
  • الجزائر
  • 130 ألف يهودي
  • صفر
  • هجّروا كليًا بعد 1962
  • اليمن
  • 60 ألف يهودي
  • أقل من 10 أفراد
  • اختفاء شبه تام
  •  

 

من مهد الحضارات إلى صحراء دينية

اليوم، تُوظّف ورقة الأقليات في صراعاتٍ دولية حيث تتقاطع مصالح إيران، تركيا، روسيا، أوروبا، وأميركا، بينما تعجز الأنظمة المحلية عن تقديم أي مشروعٍ حقيقي للعيش المشترك.

الشرق، الذي كان مهد الأديان والحضارات، يسير بخطى ثابتة نحو صحراء دينية أحادية اللون، ما لم تُستعد الدولة المدنية، حكم القانون، والمواطنة.

تؤكّد بيروت تايمز في هذا التحقيق أن توثيق هذا النزيف ليس مجرد رصدٍ لأرقام أو سردٍ لتاريخٍ في طريقه إلى الزوال، بل شهادة حيّة على عالمٍ فشل حتى اللحظة في التعايش مع ذاته.

 
 
 

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment