د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
لم يخف نتنياهو نواياه الحقيقية حيال سوريا، حتى لو انه تذرع بحماية الأقليات وعلى رأسهم الدروز في سوريا، وأنه استجاب لدروز إسرائيل وبطلب من موفق طريف زعيم دروز إسرائيل بالتدخل لحماية دروز سوريا، وصرح نتنياهو في خطاب فيه كثير من الغرور بان إسرائيل حققت السلام والردع بالقوة على سبع جبهات، وتوصلت إسرائيل على وقف النار في سوريا أيضا بالقوة، ويقصد نتنياهو السيطرة على الجبهة الجنوبية لسوريا بالكامل من مرتفعات جبل الشيخ، ومرتفعات الجولان.
استعجل نتنياهو التطبيع بعد اجتماع أذربيجان مع حكومة أحمد الشرع، ولم تكن هناك مفاوضات من أجل التطبيع في أذربيجان، ولكن كان هناك اتفاق على سحب القوات 80 كلم عن حدود إسرائيل، ومنع إقامة قواعد عسكرية تركية في جنوب سوريا، ومنع تواجد التنظيمات الجهادية التي تحمل أفكارا كونية، خصوصا هناك مليشيات منفلتة في مثلث درعا في جنوب سوريا، وهناك درجة عالية لدى الإسرائيليين عن أهمية التطبيع مع سوريا، وأن قضية الجولان يمكن أن تحل على غرار غزة يمكن أن يدخلها السوريون للعمل.
لكن أراد نتنياهو عرض السلام مقابل الاستسلام، لكنه أخطأ نتنياهو ظن أن سوريا في أضعف حالاتها ومنزوعة السلاح، لكنه أراد الثمن من السعودية التي تصر على إقامة دولة فلسطينية إذا أرادت التطبيع مع السعودية، فأراد دفع الثمن في سوريا، لكن السعودية رفضت دفع هذا الثمن، لأنها تعتبر سوريا دولة محورية لا يمكن التطبيع معها وضمان أمن إسرائيل، وهو ثمن بخس تقدمه سوريا لإسرائيل مقابل التخلي عن جبل الشيخ والجولان.
استجابت حكومة الشرع الانسحاب من السويداء حتى لا تعطي ذريعة لإسرائيل بالتدخل بحجة حماية دروز السويداء، ولكن ما حدث جعل قبائل العشائر تستنفر من كافة أنحاء سوريا للدفاع عن العشائر في السويداء، عندما انسحبت الدولة، وهم يمثلون 70% من سكان سوريا، بل أبدت العشائر في المنطقة التحرك للانضمام إلى عشائر سوريا، هي رسالة لإسرائيل بأن الشعب السوري وحتى الدروز عدا فئة محدودة بقيادة الهجري.
بعد استنفار عشائر سوريا لحماية السويداء، عندها بدأ يطالب الهجري أحد زعماء الدروز حكومة أحمد الشرع التدخل لحماية الدروز، بعدما كان يطالب المجتمع الدولي التدخل لحماية الدروز، وهو ينفذ أجندة خارجية، لأن إسرائيل تود أن تصبح السويداء محتلة على غرار الجولان، واستجابت إسرائيل لنداءات الهجري بالسماح للقوات السورية بالتدخل لحماية الدروز في غضون 48 ساعة فقط.
ألقى الرئيس أحمد الشرع بعد هذه الأزمة خطابا وطنيا باعتبار ان الشعب ليس مشيخات بل شعب متعدد الانتماءات والأعراق والديانات، وتسعير الصراع الداخلي سيقود إلى حروب أهلية مرة أخرى، وتحتاج سوريا إلى حوار وطني على أساس التوافق وليس على حساب الغلبة، وعقد وطني جديد، خصوصا بعد الاتفاق مع الأكراد برعاية أمريكية لرسم ملامح الدولة الوطنية، أثمر عن إعلان دستور جديد لسوريا، لكن رفضه الأكراد، لوقف الخطاب الطائفي والتحريضي التعبوي الجهادي، لأن العدو الإسرائيلي وغيره من المتربصين فرصة لهم لاختراق الجبهة الداخلية، خصوصا إذا ساد خطاب تصادمي عميق وخرق التفاهمات التي توصلت إليها جميع الأطراف في سوريا.
حتى لا يتم تخوين كل الدروز ولابد من إدراك أن سلطان الأطرش وطني ومجاهد ثوري سوري ينتمي إلى الطائفة الدرزية ويعد القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت في سوريا ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز عام 1925، ودعوات استجداء الخارج يضر الدروز قبل أن يضر السوريين، وأن الوحدة الداخلية هي التي تحمي السوريين، ومن الخطورة حينما تظن الأقليات أن الدولة تبتلعها مما يجعلها تحتفظ بسلاحها، وجرب الدروز عندما غابت الدولة هي السكاكين والهويات بلا سقف، وعندما تنهار الدولة تخرج الوحوش، وأي أقلية تخشى الذوبان في الدولة فلا تلبث أن تذوب في الفوضى.
إسرائيل تتحرك بلا سقف وبلا ضوابط، تفرض واقع القوة لتحقيق أمنها، وأحيانا يراودها الغرور والغطرسة وفائض القوة يغرر بها للزحف نحو الهيمنة، ولكنها تصطدم بالزعامة السعودية، بل وبالشعوب العربية في محيطها الجغرافي كالبحر الهائج، وكان استنفار العشائر السورية واستعداد عشائر المنطقة، أمر يرعب إسرائيل، خصوصا بعدما فشلت إسرائيل في العقود الماضية بناء تحالفات مع دول تحيط بالعالم العربي مثل إيران وتركيا، وغضت الطرف عن المليشيات الوظيفية خصوصا التابعة لإيران لحمايتها من العرب، لكن ما حدث العكس أصبح يتمدد على حساب نفوذها، جعلها تتجه نحو القضاء على محور المقاومة عندها شعرت بفائض قوة وشعور بالغطرسة، وأنه يمكنها تحقيق مشروع غير معلن منذ عقود يعرف بطريق داوود يتصل ما بين الدروز والأكراد في الشمال الغربي، تعتقد أنه مخطط لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وأنها قادرة على تطويع دول المحور، لكن يغيظها أن مشروعها لن يتحقق بسبب أن السعودية ترعى ممرين اقتصاديين يربط الشرق بالغرب الحزام والطريق الصيني والممر الهندي الأوروبي، والسعودية ومشاريعها كالمحيط الذي يبتلع كل شيء، وأدركت إسرائيل أنها تتمدد عبر جغرافيا مفتوحة مجازفة استراتيجية قاتلة، وأنها مهزومة استراتيجيا، وتتحول الجغرافيا من مكسب إلى عبء، بسبب أن إسرائيل بلا عمق، ولا أدوات، دولة تعاني القلق وخطر الوجود، ليس أمامها سوى القبول بدولة فلسطينية لتضمن السعودية والعرب أمنها.
*أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments