bah عيد مار إلياس… نبيُّ النارِ والرجاء، حاملُ شعلة الحقِّ في ظلمات العالم - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

عيد مار إلياس… نبيُّ النارِ والرجاء، حاملُ شعلة الحقِّ في ظلمات العالم

07/19/2025 - 19:07 PM

absolute collision

 

 

 


الاب الدكتور نبيل مونس *

 

1- إلياس… نبيُّ الشرقِ الأعظم ومُلهِمُ الأجيال

في مسيرةِ الله مع الإنسان، هناك رجالٌ لم يكونوا مجرّدَ أنبياءٍ، بل صاروا علاماتٍ مضيئةً في تاريخ الخلاص، جسورًا بين السماء والأرض، صدى الحضور الإلهي في قلب العالم المتألّم.

من بين هؤلاء، يسطع نجم مار إلياس النبي، نبيّ الله الحيّ، حاملُ النارِ السماوية، وشاهدُ الحقيقة في وجه الطغيان والكذب، رجلُ الله الذي ارتفع إلى السماء في مركبة من نار ولم يعرف الفساد.

اسمه وحدَه يحمل رسالةَ الحياة والإيمان: إلياهو في العبرية، أي "الله هو الربّ"، وفي السريانية "إيليا" أي "إلهي هو الله"، وفي العربية "إلياس". اسمه صلاةٌ في ذاته، اعترافٌ متواصل بأنّ لا إلهَ إلا إلهُ الحقّ، الربُّ الحيّ، منبعُ كلّ نورٍ وكلِّ رجاء.

مار إلياس حاضرٌ في وجدان الكنيسة وفي قلب الديانات الإبراهيمية، نراه واقفًا في لحظة التجلّي بين موسى والمسيح، رمزًا للأنبياء الذين ما توانوا عن قول كلمة الحقّ ولو على حساب أرواحهم. إنّه يُمهّد الطريق دومًا لمجيء الربّ، وسيظلّ إلى الأبد نداءً صارخًا في برّيّة هذا العالم: "عودوا إلى الربّ إلهكم، فهو رحيمٌ ورؤوف، طويلُ الأناة وكثيرُ الرحمة."

أيّ سرٍّ رفعه فوق الموت؟ أيّ محبّةٍ حملتْه إلى السماء حيًّا؟

إنّها الأمانة المطلقة للحقّ، والنقاء في الطويّة، والغيرة على مجد الله وحده. لم يعرف إلياس في حياته إلّا وجه الربّ، ولم ينبض قلبه إلّا بمحبة الحقّ والغيرة على قداسة اسمه.

2- كنيسة الشهداء الأحياء… مار إلياس الدويلعة – سوريا

عندما دوّى خبرُ جريمة كنيسة مار إلياس في الدويلعة، كأنَّ السماء انشقّت عن صرخةِ نبيِّ النار، تعود من جديد لترتفع من أعماق الألم: "قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي، لأَنَّنِي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي" (1 ملوك 19: 4).

وسط الدّمار والدّماء، وسط الألم الذي يعجز عنه الكلام، ارتفع صوتٌ آخر، صوتٌ يُشبه صوت السماء، آتٍ من القلوب المؤمنة، من أجسادٍ نازفةٍ لكن أرواحها من نارٍ لا تنطفئ، يقولون: "نحنُ مستعدّون للاستشهاد مرّةً ومرّتين وألف مرّة، من أجل المسيح، من أجل الحقّ، من أجل النور الذي لا يُطفأ!"

من أين تأتيهم هذه القوّة التي تهزّ جدران الموت؟

إنّها من المسيح، من الربّ القائم من بين الأموات، الذي قال: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسدَ، ولا يقدرون أن يقتلوا النفس"  (متى 10: 28).

هؤلاء هم أبناءُ الرجاء، أبناءُ النور، أبناءُ القيامة، لا يخافون سيفًا ولا موتًا، لأنّ ربَّهم هو ربُّ الحياة الذي ينتصر دائمًا، الذي بيده مفاتيحُ الموت والجحيم. إنّهم أبناءُ مار إلياس الحيّ، الذي تُضيء نارُه المشتعلة أزمنةً من اليأس. لا يُقهرون، ولا يُذَلّون، ولا يُدفنون في العدم، لأن الربّ يُرسل ملائكته ويحميهم بيمينه، كما حفظ إلياس وسط العواصف والجفاف والاضطهاد.

3- نشيد الإيمان في يوم عيده

في هذا العيد المجيد، عيدِ النارِ والغيرة، عيدِ الرجاء الذي لا يخيب، نرفعُ أصواتنا مع إلياس العظيم، نبيِّ الحقّ، ونعترفُ مع الكنيسةِ الجامعة في الأرض كما في السماء: "حيٌّ هو الربُّ الإله الذي أنا أعبُدُهُ!" (1 ملوك 18: 15).

يا مار إلياس، علّمنا أن نطلب الله وحده، أن نغار على اسمه، أن لا نخافَ وجهَ إنسان، أن نشهدَ للحقّ بلا مساومة، أن نحبَّ الكنيسة كما أحببتها أنت، وأن نسيرَ نحو جبلِ اللهِ بخطى من نارٍ وإيمانٍ ورجاءٍ لا يخبو.

علّمنا أن نسمع الصوت الخفيف اللطيف، صوتَ الروح، وسط العواصف، وسط الحروب، وسط الاضطهاد…

واجعلنا مثلك، أبناءَ المحبة والحقّ، لا نخافُ شيئًا لأنّ الله معنا، اليوم وإلى الأبد.

"يا ربّ، إليك نرفع قلوبنا في هذا العيد، بارك أرضنا، كنائسنا، أهلنا، أطفالنا، وامنحنا أن نحيا بشجاعة الإيمان ونقاوة الحبّ، إلى أن نراك وجهًا لوجه".

آمين.

 

* الأبُّ الدكتور نبيل مونس - راعي ابرشية سيدة لبنان المارونية في ولاية اوكلاهوما الأميركية

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment