بسام ن ضو *
الجمهورية اللبنانية تُغتال على أيدي من يحكمونها وأضحتْ فعليًا جمهورية غير قابلة للحياة، وهذا الموت هو نتيجة لصراعات داخلية وطبقة سياسية فاسدة مُفسدة ساهمت في هذا الموت ومن أبرز أسباب هذا الإغتيال المقصود على سبيل المثال لا الحصر أولاً – الصراعات الطائفية والمذهبية بين المكونات السياسية، ثانيًا – الإستبداد والفساد، ثالثًا – التدخلات الخارجية، رابعًا – الأزمة السياسية / الأمنية / الإقتصادية / المالية / الإجتماعية، خامسًا – السلاح الغير شرعي، سادسًا الحروب العبثية، سابعًا – فقدان المصداقية في الممارسة السياسية.
الجمهورية اللبنانية في حالتها الراهنة تشهد حالات من الفوضى غير المسبوقة حيث أصبحت الممارسة السياسية محكومة بمنطق المصالح والعمالة أكثر من أي قت مضى فلم يَعُـد الدستور وشرعة حقوق الإنسان والمبادىء التي تأسست عليها المنظمات الأممية قادرين على تحقيق العدالة أو فرض ما يُعرف بـ "الإلتزام بين المكونات السياسية " على إرساء تفاهم من شأنه إنقاذها من موتها السريري، من هنا لا يمكن إستبعاد تطبيق مبدأ "الفصل السابع ".
الجمهورية اللبنانية في حالة فوضى وهي ليستْ مجرّد حالة عابرة وهي حتمًا ستقود هذه الجمهورية إلى حالة الموت السريري، حيث إنهارت كل القيود الدستورية والقانونية وتحوّل التوّتر السياسي إلى نزاعات فكرية عقائدية تشهدها الجغرافية اللبنانية بدون توّقف، والشعب اللبناني المسكين يتلّقى كل أنواع الظلم من قِبل هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي لا علاقة له بكل هذه المشاكل المستحدثة من قبل سلطة فاسدة حاقدة عميلة.
في الدستور: الدولة اللبنانية دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزّأ وسيادة تامة، ومعنى ذلك قانونيًا ودستوريًا أنّ لا محل في الجمهورية اللبنانية لأي إستقلال داخلي تنادي به أي مجموعة سياسة على ما هو حاصل اليوم، ومعناه أيضًا أن جميع المؤسسات الرسمية (رئاسة الجمهورية ودوائرها – رئاسة مجلس الوزراء ودوائرها – رئاسة مجلس النوّاب ودوائرها) من المفترض أن تكون هي السلطة الشرعية حصريًا والمناط بها وحدها ممارسة النظام وهي تتولى وظائفها بإسمها. والدستور يُشير إلى أنّ الأراضي اللبنانية قُسِّمتْ إلى مناطق إدارية ( محافظات – أقضية ) تخضع كلها للتسلسل الإداري الذي ينتهي وعلى رأسه السلطة المركزية في العاصمة، كما نص البند الثالث من المادة الأولى على أنّ التعديل في حدود المناطق الإدارية لا يجوز إلا بموجب قانون. سؤال يطرح نفسه من أوكل ساسة الأمر الواقع بتقسيم بعض المناطق إلى بؤر أمنية خاصة لا يجوز دخولها أو المرور بها إلاّ من خلال تفاهمات هي أشبه بقضم القوانين اللبنانية ؟ ومن هو المسؤول عن هذه المخالفة التي تُعدّ بمثابة الخيانة العظمى ؟!
في الجمهورية المُغتالة يتناقض مبدأ السيادة الشعبية حيث أنّ الدستور يُشير إلى أنّ السيادة للشعب والسلطة التشريعية أولى ركائز هذه السيادة، يمثلها المجلس النيابي، وهو فعليًا ممثل الشعب ووكيله والمشترع والرقيب معًا، عنه تصدر القوانين ومنه تستمد الحكومات سلطانها العملي السياسي. وقد جعل منه الدستور عين الشعب الساهـرة على أعمال الحكام وتصرفاتهم. سؤال أين نحن اليوم من الممارسة البرلمانية، هل تستوفي شروط ما نصّ عليه النظام الداخلي لمجلس النوّاب؟ أم هناك مزيدًا من التراكمات الفوضوية التي أفضتْ إلى الموت السريري وإغتيال الجمهورية؟!
الجمهورية المغتالة على أيدي ممارسي النظام فقدتْ أي أمـل وهذه الممارسة القاتلة أضرّتْ بمصلحة الجمهورية اللبنانية ومصالحها ومصالح اللبنانيين والأسباب عديدة أولها – وجود طبقة سياسية لم تبلغ لحد الآن مستوى الوعي الوطني الصرف وتحُّد من العاطفة الوطنية وهي في أغلبيتها طبقة سياسية عميلة للخارج، ولا تتحسّسْ مصلحة الوطن إلاّ من خلال مصالحها الشخصية الصرفة ومن خلال مبدأية مراعاة مصالح الغير، ثانيها – طبقة سياسية تنشغِلْ بقضاياها الأساسية التي تُركّز على جزء من المنتفعين والمُضلَّلين وينحصر نشاطهم في سبيل خدمة مصالحهم، وبكلام أوضح بذل الجهد والطاقات في خدمة
مصالح طائفية مذهبية مؤقتة والأمثلة كثيرة ومتشعبّة، ثالثها – قيام طبقة سياسية حقودة يتنافى عملها ومبدأية النظام الديمقراطي، وهذه الممارسة هي نقيض الفعل الديمقراطي لأنّ الديمقراطية السليمة تفرض مبدأ المساواة بين المواطنين وتفسح المجال لهم في التقدّم، أما التمثيل الطائفي والمذهبي فعليًا يفرض على المواطن حدود لا يمكن تجاوزها على الإطلاق، رابعًا – وجود طبقة سياسية تضِّرْ بمصلحة الجمهورية وبالتالي ممارستها وفقًا لما هو حاصـل أدّى إلى إفساد المقاييس وقضى على الكفاءات والثقة بالنفس فتحُّلْ الإتكالية والزبائنية عدا عن الوساطة، خامسًا – تمثيل سياسي طائفي وهذا ما يفترض إستقرار الزعامات الحالية، وهذا الأمـر مخالف للدستور ومن المفترض أنْ يُعاقب المخالفون....
إغتيال الجمهورية على أيدي حكامها، وهذا أمر بات ملموسًا وهل هناك بصيص أمل في قيامة الجمهورية، إنّ بصيص الأمل يتعلق بإرادة اللبنانيين في مقاومة هذه السلوكية السياسية العفنة وشروطها :
أولاً –الإتحاد.
ثانيًا – التفاهم.
ثالثًا – السلام.
يوم يدرك الشعب اللبناني أنّ الجمهورية هي لهم حصريًا دون تفريق أو تمييز، عندها يمكن القول إنّ الجمهورية لم تُغتال بل هي قائمة من بين الركام.... هل فعلاً سيصح هذا الأمـر ؟!
* كاتب وباحث سياسي
Comments