بقلم/محمود كامل الكومي
تمر الذكرى الثالثة والسبعون لثورة 23 يوليو 1952، التي أطلق شرارتها الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وهي لا تزال تحمل في وجدان الأمة العربية معنى الثورة الحقيقية، حين انتفض المارد المصري على ملك كان يُدار بالخيوط البريطانية، وتحكمه طبقة طفيلية امتصت عرق الفلاح وسرقت خبز العامل، وساومت على الكرامة مقابل العرش.
كانت ثورة يوليو صوت الفقراء حين خرس العالم عن أنينهم، وكانت اليد التي انتشلت ملايين المعدمين من قاع التهميش، لتمنحهم الأرض والخبز والعزة. لم تكن انقلابًا عسكريًا كما حاول المتآمرون توصيفها، بل كانت انفجارًا شعبيًا محكومًا بإرادة وطنية، تخلّقت في رحم شعب لا يركع.
وحين اتسعت شعبية عبد الناصر، صار البكاء يتعالى من أفواهٍ مأجورة، نحيبهم يتهدّج كرأس كرنبَة يتدحرج في سوق النخاسة، وسعوا بكل جهدٍ إلى اغتيال الحلم في مهده.
لذلك كان قرار تحديد إقامة نحيب (وقد جئ به كرأس كرنبة )– لا كعقوبة، بل كإجراء لحماية الثورة من مخالب الثعالب والثعابين، ممن أرادوا إجهاضها في مهدها أو اختطافها من ميدان التحرير إلى قصور الاستعمار الجديد.
جعل عبد الناصر من القاهرة قبلة لكل قوى التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. رفع راية فلسطين يوم كانت الأمة تغمض أعينها، فكانت الثورة زادًا وزوادًا للمقاومين، وعهدًا لا يُنكث مع القضية الأولى. ومن رحم يوليو، وُلد حلم الوحدة العربية، وحين صرخ فينا عبد الناصر: "ارفع رأسك يا أخي"، لم تكن دعوة للكبرياء الزائف، بل إعلانًا لانتهاء عصر الخضوع، وبداية زمن الإنسان العربي الحر.وعودة حكم مصر للمصربين...الذي اغتصب منذ الفراعنة، وأعادته الثورة فى 23يوليو1952.
واليوم، حين تنحني رقاب العرب في بلاط البيت الأبيض، ويكتبون بخنوع توقيعاتهم على اتفاقيات العار، نتساءل: أين عبد الناصر؟
عندما تغدو عواصم العرب منابر للمطبعين، ورايات الصهيونية ترفرف في أسواقنا، نصرخ: يا يوليو.. يا ثورتنا، كم نحتاج إليك!
حمام العرب صار وديعًا، ينعق باسمه الغرب، بعد أن كان نسورًا في السماء تنذر المحتل بالرحيل.
في الذكرى الثالثة والسبعين، لا نرثي ماضينا، بل نستدعيه ليكون نبراسًا للمستقبل.
إن ثورة يوليو لم تمت، لأنها ليست لحظة في التاريخ، بل مشروعًا للتحرر، متى استدعاه الضمير، نهض من رماده كطائر الفينيق.
ولذلك نقولها بصدق: ما أحوجنا الآن لجمال عبد الناصر.. ما أحوجنا لثورة تعيد للأمة كرامتها، وتحرّر فلسطين، وتكسر قيد الوصاية الأجنبية عن رقاب العرب.
* كاتب ومحامي مصري
Comments