bah إحيـاءٌ مُستحيل لحُبٍّ مُتقادِم - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

إحيـاءٌ مُستحيل لحُبٍّ مُتقادِم

07/22/2025 - 16:42 PM

absolute collision

 

 

مارون سامي عزّام

 

بين أزقة اللحظات الضيقة المنسيَّة، والتي مضى عليها أكثر من ربع قرن، انطلقَت مسيرة نظراتي وابتساماتي نحو ذلك الشخص، ومع ذلك لم يكترث لها، لأنها من افتراءاتي... بقيَ محايدًا معي، مُعتبرًا أن استعراضي اليومي قد لوَّن وجهي بألوان بهلوانيّة. تركَني ألهو بألعابي الحركية اليوميَّة، طيلة تلك الفترة. مع تصفُّح السِّنين لصفحات الزمن، مالت كفَّة الظّروف لصالحي، أصبحنا صديقَين، وكنت دائمًا أُلقي عليه تحيَّتي الحارّة، إلّا في ذلك الحدث، قرَّرتُ إعادة إحياء مقطع صغير من استعراض "الابتسامة النّاعمة"، المعروف له!!

في عجقة تلك السهرة، اعتقدتُ أنه متلهِّف إليّ!، تَذَكَّرتُ شدَّة كرهه لنظام سلوكي المهين له، والذي لم ينسَه... امتصَّت اسفنجة تركيزه عُصارة وجودي. لقد خرقتُ لوائح خصائصي الاجتماعيَّة "المُميَّزة"، المعلَّقة في وسط مقصف عمري من أجله، لأُبيِّن له صِدقي، أمّا هو فلم يتزعزع هدوءه طول السَّهرة... لم تلاحقني نظراته... لم تُثِرهُ أناقَتي الفائقة، ممّا أثار غضبي.

راقبَ عقارب السّاعة كالنّاطور المنتظر مغادرة المكان، بعد أن يتمّ المَهَمَّة التي جاء من أجلها، ليُعلن براءته من أفعالي غير الرّزينة، بعد أن ملَّ من متابَعة حِرَفِيَّتي العالية، بسرقة جرس نباهته من تحت وسادة لا مبالاته، ورغم ذلك لم يعترف هذه المرَّة بإرادتي الأنثويَّة مُجدَّدًا، لأنّها هي من ورَّطَتني معه في الماضي، بتخطيطٍ مُسبَق منّي.

عرَضت له عن بُعد قصدًا لقطات حنيني إليه، واعتبرها علامات إدانة لي لا تُغتَفَر، فبالنسبة له إنّها مقتَبَسَة من استعراض "الابتسامة النّاعمة" الشهير الذي أطلَقتُه سابقًا، حينها أجلسته وحيدًا في بَهْو التوقُّعات، ينتظر أن يشاهد المُحَصِّلَة النّهائيّة "للاستعراض العظيم"! الذي لم أكمِلهُ، والأفظع أنّه لم يُطلق رصاصة ندم في وجهي... لم يُوجِّه لي ضربة عتاب، يا لبرودته!!

 فَهِمتُ أنه من المستحيل أن يُمسِك بخيوط أحاسيس مزيَّفة ثانيةً، لأنّ مصيرها يتيمًا، مربوطًا بجذع النِّسيان المتجذِّر، لا يمكن بأي شكل اقتلاعه من أرض الوفاء البور... فلو أثمر هذا الحب مجدَّدًا في بستان الأحلام، سيؤلمني أكثر ممّا يؤلمه، لأن مسار ثقته بنفسه اتَّسَع كثيرًا، وغطّى فَتحة الاشتياق. لعنتُ السّاعة عندما استرجعت "الابتسامة الناعمة"، ولم أتخلّ عنها، فبقيتُ أستنزفه عاطفيًّا، متناسيةً أنه انتقل إلى ضفّة عيش وادعة، هانئة، كل ما هناك أنّي أردت أن أذكِّره بتلك الأيّام التي لم تَعنِهِ، لكنّها أنعشَتني في هذا الصّيف القائظ.

ما قمتُ به كان هذيانًا شخصيًّا، واعتداءً على كرامَتي الشخصيَّة، التي تنازلتُ عنها في لحظة ضعف أمامه، لأنّي حقًّا أردتُ أن أُثبت له أنّه ما زال جزءًا من مذكِّراتي السِّريَّة... أعرف أنه يتذكَّر جيِّدًا مصافحتي الحميمة له، عندما وضعتُ يدي فوق يده بحرارة، وكأنّي صافحتُ شخصًا عزيزًا جدًّا علي، أنا متأكِّدة أنها إلى الآن محفورة على زجاج وعيه. فرحة مروري أمامه في تلك الليلة، أبت أن تفارقني... أبت أن تعيدني إلى مطرح نضوجي، لأنّّني كنتُ في حالة نشوة غريبة، سيطرت على إحساسي فجأة!!

أُقِر أنّني أخطأت عندما لم أُلقِ التحيَّة عليه، فلو فعلت ذلك، لارتحتُ من التّلاعُب بضميري، وسارت الأمور في تلك الليلة، تحت جناح الصمت، بدون أن أقوم بتمارين المراهقة، على هامش باحة الرقص. عدم تجاوبه معي، قد ذَكَّرَني بأن عليّ احترام نفسي، وتقدير قيمتي، وألّا أحتفظ بمعدّات استعراضي الزّائلة، المخزونة في مرآب التقادم، ولا يحقّ لي استخدامها.

استخففت بنفسي أمامه بلا سببٍ... ألقيت حُبّي في تهلُكَة اللوعة، ورغم كل ما سعيت إليه، لم تدخُل كرة اللهفة في شبكة النّصيب الممزَّقة. دارت توقّعاتي في رأسي، إلّا أنّها سرعان ما تطايرت في فضاء التّمنِّيات الافتراضي، ولم يبقَ منها سوى حُطام غبائي. قطعتُ تلقائيًّا قلادة الأمل التي لم تلمع ولو مرّة، لإدراكي أن في هذه الليلة، ختام فعّاليات "الابتسامة النّاعمَة"، التي اختَلَقَتها امرأة انتهازيَّة مثلي!!

اعتقدتُ أنّي ما زلتُ على قيد ذاكرته، لكنّي أقولها بصراحة، أنّه تجاوز مرحلتي بسرعة، مع أني ضربت جناح انتباهه مرارًا وتكرارًا، إلّا أنه قفز فوق حواجز نظراتي وابتساماتي برشاقة متناهية، سائرًا بشموخٍ على درب خياره الحُر. اليوم أسعى للتَّخَلُّص من عادتي المقيتة، التي ابتُليتُ بها. أتمنّى أن تكون ابتسامتي هذه المرَّة لحظة وداع أبديَّة، لحُبٍّ عافَته الأسرار، من حقبة تقادَمَت.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment